التسول الإلكتروني: “شلونكم حبايب، ادخلوا البث وكبسوا”
بغداد- مريم اسماعيل
منذ عامين، وفي زاوية من بيتها في منطقة الحرية ببغداد، بدأت أم زينة باستخدام خاصية البث المباشر على منصة “تيك توك” للحصول على المال.
تقول أم زينة: “شلونكم حبايب، ادخلوا البث وكبسوا” و”ارسلوا لي وردة”، هكذا بدأت رحلتها في نشر محتواها، الذي يصنف الآن ضمن أنواع التسول الإلكتروني في ظاهرة انتشرت في العراق خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
في بثها، تتحدث أم زينة بصوت عالٍ، وتنادي ابنتها الوحيدة “زينة”، بعدما وضعت القليل من مستحضرات التجميل. تجلس في غرفة تعمها الفوضى، غير مكترثة بالأثاث حولها، وسط تفاعل كبير من المتابعين عبر المنصة.
أم زينة، وتدعى جنان، هي سيدة في الستين من عمرها، تعيش في منطقة الحرية وسط بغداد. تقول: “لم تكن الحياة سهلة بعد طلاقي وبداية رحلتي كأم عزباء، لذلك لجأت إلى تصوير المقاطع على تيك توك”. وتحقق مقاطعها تفاعلاً واسعاً، بين من يتعاطف مع حالتها ومن يسخر منها، متهمين إياها بعرض أمور غير لائقة بالمجتمع.
لم تلبث زينة، ابنة حنان، أن تعلمت التسول من والدتها، وبدأت بدورها في بث مقاطع ترتدي فيها عباءتها السوداء، حيث تبكي وتنوح مستعطفة المتابعين.
تقول زينة، التي تعاني من إعاقة جسدية تتمثل في قصر قدمها الأيمن: “حالتي صعبة وليس لدي مال يساعدني في شراء أبسط احتياجاتي”. وتضيف: “أمي أخذت مني العكازات التي حصلت عليها كهدية، ثم باعتها”. وتشير إلى أن والدتها تحصل على راتب تقاعدي شهري يبلغ حوالي 500 ألف دينار عراقي، لكنها تستمر في التسول.
يتفاعل المتابعون مع أم زينة وزينة بشكل كبير، تماماً كما يتفاعلون مع زينب، السيدة الثلاثينية من الديوانية التي تمتهن التسول عبر تيك توك أيضاً.
نشأت زينب وسط مدينة الديوانية، وبدأت بالتسول منذ عام ونصف. تظهر زينب في بثوثها مع أطفالها، غير مكترثة بالكشف عن حالتها المعيشية الصعبة في منطقة متجاوزة، وتطلب من المتابعين المال والهدايا.
تقول: “أنا امرأة أعيل أطفالي وليس لدي معيل آخر. ما الضرر في فتح بث؟”. وتضيف: “لا يهمني كيف أتسول وأين، المهم أن أوفر لهم ما يمكن من إمكانيات العيش”.
كلام زينب يعكس نقص الوعي لدى بعض الناشطين على مواقع التواصل، الذين يتجاهلون القوانين العراقية المتعلقة بالتشهير والسب والشتم. ومع ذلك، أصبح التسول الإلكتروني في العراق أكثر رواجاً من التسول التقليدي في التقاطعات والجسور والأرصفة، الذي بات أقل فعالية في استعطاف المارة.
يقول الباحث الاجتماعي أحمد شاهر: “هناك مخاطر نفسية قد يتعرض لها المتسول بسبب إدمانه على هذه الطرق السهلة لكسب المال، ما يؤدي إلى تفاقم العقد النفسية لديه. أما بالنسبة للمتبرعين، فقد يؤثر ذلك على ثقتهم في تقديم الدعم للمحتاجين الحقيقيين مستقبلاً”. ويضيف: “كما أن هناك مخاطر قانونية قد تواجه المتسولين بسبب العقوبات المفروضة عليهم بالقانون”.
أما المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، مقداد ميري، فيقول: “مع انتشار هذه الحالات، تم تسجيل العديد من عمليات النصب والاحتيال عبر مواقع التواصل. بعض المتسولين يحاولون تحقيق مكاسب بأساليب تصل إلى جريمة الاتجار بالبشر، وليس فقط من خلال المحتوى الهابط”.
ويضيف: “القانون العراقي، وفق المواد القانونية (390, 391, 392)، يعاقب المتسولين للحد من هذه الظاهرة. كما ننتظر من المشرع العراقي إقرار قانون الجرائم الإلكترونية، لتشديد العقوبات على التسول الإلكتروني، مثل فرض غرامات مالية أو السجن”.
وبعيداً عن التسول الإلكتروني، ما زال العشرات من المتسولين ينتشرون في تقاطعات بغداد، يطلبون المعونة. ابتكرت بعض المتسولات المسنات أساليب جديدة، مثل الجلوس في الشوارع الداخلية أو قرب المحال التجارية، وطلب التسوق لهن بحجة إعالة الأيتام. بهذه الطريقة، يحصلن على الخضار واللحوم مجاناً، بينما يدفع بعض المارة مبالغ تترواح بين النصف دولار والعشرين دولار، وأحياناً تكون أكثر من هذا.
في المشاهد اليومية على “تيك توك”، يرتفع عدد المتبرعين والمتابعين للبثوث المباشرة، مما يزيد من نسب مشاهداتها. تستمر أم زينة في تقديم محتواها بوجه يجمع بين الحزن والغضب. تقول في بثها: “ارسلوا لي وردة”، التي تكلف حوالي 450 دولاراً، أو “أسداً”، الذي يكلف 320 دولاراً. تتحول هذه الهدايا الرقمية إلى أموال حقيقية لاحقاً، وتكرر أم زينة عبارات الشكر والترحيب بعد حصولها على الدعم والهدايا التي يرسلها المتابعون.