فدوى طعمة ناشطة بيئية تصنع فرقاً أخضر

المنصة – نغم مكي

 

وسط مكتب مفعم بالحيوية في مدينة البصرة الجنوبية تجلس فدوى طعمة مؤسسة منظمة أوزون للخدمات العامة والتنمية المستدامة محاطة بفريقها المتحمس، وجهها يعكس شغفا عميقا وهي تنحني فوق طاولة مليئة بالمستندات البيئية، واستمارة عمل لمشروع بيئي جديد وجل هدفها تحسين الواقع البيئي في البصرة.

يناولها أحد الموظفين أوراقا للتوقيع ويغادر لتعود فدوى لتصفح شاشة حاسوبها المحمول، تقرأ تقارير عن البيئة وهاتفها لا يكاد يهدأ، إذ تتنقل بين مكالمات مع شركاء بيئيين، واجتماعات مع متطوعين وتحديثات تواجهها فرقها الميدانية.

تتحدث فدوى عن نشاطها البيئي في وقت كانت فيه التجمعات الشبابية تنشط عبر فيسبوك عام 2012 وتقول “انضممت الى مجاميع تسعى لتعزيز روح المواطنة بين الشباب في ظل ظروف صعبة لم يكن أحد يجرؤ فيها على النزول الى لشارع لتنظيفه، وحينما أطلق الناشطون أول حملة بيئية في البصرة كنت المرأة الوحيدة بينهم، حتى انني تحدثت الى مجلة الشبكة العراقية آنذاك باسم مستعار هو وردة البصرة”

وتضيف “مع تكدس النفايات في المدينة، أدركنا ضرورة نشر ثقافة الاهتمام بالنظافة كمسؤولية جماعية، بدأنا بتنظيف الشوارع بتمويل ذاتي، مما جذب انتباه المواطنين والمسؤولين خلال شهر، توسعت الحملة من خمسة أفراد إلى مئتي متطوع”.

رغم انشغالها الدائم، لا تفوت فدوى فرصة لمشاركة أراء موظفيها حول تنسيق حملات تطوعية وخطط للتشجير والتنظيف للشوارع والأنهار يغمرها الحماس والروح التعاونية في مؤسستها لتحقيق نتائج إيجابية تخدم المواطن والبيئة.

في عام 2018 شاركت الناشطة البصرية في مبادرة “جرعة أمل” لدعم مرضى السرطان والدفاع عن حقوقهم ومع تفاقم أزمة التلوث، انضمت فدوى في المؤتمر البيئي الأول الذي ناقش اسباب ارتفاع معدلات  التلوث البيئي الناجم عن  الشركات النفطية وانبعاث الغازات والطمر الصحي مما سبب امراضا سرطانية وبائية خطيرة في البصرة .

وتشير الدراسات إلى أن العراق يخسر جراء انبعاث الغاز المصاحب لاستخراج النفط 12 تريليون دينار بسبب هدر تلك الطاقة والإهمال المتعمد، ووفقًا لدراسة بحثية أجرتها جامعة ميسان في عام 2021 فإن محافظة البصرة تصدرت أعداد الإصابات بالسرطان بنسبة 76.3 لكل 100 ألف شخص عام 2020، كما أظهرت إحصائيات أخرى أن البصرة سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات بالسرطان بين عامي 2015 و2021.

تقول فدوى بهذا الخصوص “من أكثر اللحظات تأثيرًا في نشاطي البيئي مشاهدتي للأطفال المصابين بالسرطان، حيث شعرت بالعجز أمام آلامهم رغم محاولتي إدخال الفرح إلى حياتهم، ما أثر على صحتي النفسية”.

تصمت ثم تكمل “كانت جائحة كورونا تجربة قاسية، إذ لم نتمكن من الوصول إلى معظم المحتاجين للمساعدة بسبب الحظر، ما ترك أثرًا عميقًا في نفسي ولهذه الأسباب، سعيت إلى تنظيم ورشات لدعم الصحة النفسية للمدافعين عن حقوق الإنسان، فهم الأكثر عرضة لهذه المواقف الصعبة”..

وتقول “التحديات التي واجهت دخول النساء إلى مجال النشاط البيئي والمجتمعي كانت عديدة، منها رفض الأهل والوضع الأمني، هذا ما حصل معي في بداية انخراطي في النشاط المجتمعي لكن الرفض تحول إلى دعم وحصلت على تكريم كأفضل ناشطة في البصرة “.

وتتابع: ” ازداد وعي المجتمع، وأصبح الأهل اليوم يشجعون بناتهم على المشاركة، إذ تعمل في مؤسستنا إثنين من النساء يتبوؤون مناصب تنفيذية وأغلب المؤسسات الأهلية تديرها نساء ونتمنى ان يتحقق ذلك في المؤسسات الحكومية.”

تسعى فدوى جاهدة لدعم التشجير عبر مبادرة “ازرع شجرة لتُنتَخبْ” التي تشجع المرشحين في الانتخابات على غرس الأشجار إضافة إلى دعم المبادرات التطوعية للشباب بالترويج عبر صفحاتها على مواقع التواصل من أجل بيئة البصرة.

وفقاً لخبراء البيئة يصنف التصحّر في محافظة البصرة ضمن الفئة “الشديدة جدا” حيث تفقد الأرض قدرتها الإنتاجية وتصبح قاحلة وتنتشر فيها الرمال، كما يعد تملّح التربة من أكثر نتائج التصحّر انتشاراً وخطورة نتيجة عوامل عدة، أبرزها الاحتباس الحراري والغازات الدفيئة الناتجة عن العمليات النفطية، وتجريف البساتين وتحويلها إلى مناطق سكنية.

تقول فدوى أن ابرز تحدي واجهها كان تسجيل المؤسسة وتضيف “تبلورت فكرة المنظمة من تجربة طويلة في العمل التطوعي كفريق بسيط يواجه التحديات البيئية في البصرة، ومع غياب قانون يدعم الفرق التطوعية، قررنا في 2019 تأسيس منظمة رسمية تتيح لنا توسيع نطاق العمل والحصول على الاعتراف والدعم الدولي، ولم نحصل على التسجيل الا بعد عامين بسبب جائحة كورونا والمظاهرات”.

لم تتوقف فدوى عند النشاط البيئي المحلي، بل كانت المنسقة الرئيسية لمشروع “الأمن المناخي” مع معهد كلكندال الهولندي بين عامي (2021-2023)، حيث جمعت الحكومة والمجتمع المدني على طاولة واحدة لمناقشة التصحر وتلوث المياه وارتفاع منسوب البحر في البصرة.

ولا يبدوا أن شيئاً من شأنه أن يثبط عزيمتها، فها هي اليوم تخطط مع فريق أوزون لتنفيذ مشروعها الحالي ” التكيف المناخي” في مناطق شمال البصرة بالأهوار، الذي يهدف إلى حماية التنوع الأحيائي من خلال توعية الصيادين بمخاطر الصيد الجائر باستخدام الكهرباء والسموم، ويشمل المشروع أيضاً إرشاد الصيادين إلى أساليب الصيد الرسمية المستدامة، للحفاظ على البيئة البحرية والحد من الأضرار الناتجة عن الممارسات غير القانونية.

بعد انتهاء يوم منهك، تستعد فدوى للخروج من مكتبها، وتكشف عن طموحها في المستقبل بأن يُدرج منهاج بيئي متكامل في جميع المراحل الدراسية لتعزيز الاهتمام بالبيئة وتوعية المواطن بأهميتها ،كما تطمح  أن تقوم الحكومة بإنشاء معامل تدوير بهدف  الاستثمارالاقتصادي.

وعندخروجها من المكتب، تواصل فدوى مهمتها في رصد التلوث اثناء سيرها في الشارع، وتوثيق المخالفات ونقلها للجهات المسؤولة، مؤمنة بأن حماية الأنهار والأشجار مسؤولية، لأنها لا تملك صوتًا للدفاع عن نفسها.

 

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى