في حلبجة.. شابة تقود مشروعاً لإنتاج السماد العضوي من نفايات الفاكهة

حلبجة – بوار قادر محمد 

كانت الفكرة التي خطرت للشابة الكردية سيما سامان بسيطة في ظاهرها، لكنها قد تُشكّل ثروة حقيقية للمزارعين وبنفس الوقت وسيلة لحماية البيئة. ففي أثناء تجوالها في أسواق حلبجة، شاهدت سيما أكواماً من قشور الرمان ملقاة على قارعة الطريق، فخطرت لها فكرة: لماذا لا تُحوّل هذه المخلفات إلى سماد طبيعي يفيد الزراعة بدل أن تكون نفايات ضارة؟

سيما، البالغة من العمر 24 عاماً، التي كانت ترتدي بنطالاً كردياً رجالياً وهي تقف وسط كومتين من قشور الفاكهة، تلتقط بعض قشور الرمان، تشم رائحتها، ثم تشير إلى آلة صغيرة تشبه مفرمة اللحم قائلة: “هنا نطحن القشور ونفايات الفاكهة الأخرى كخطوة أولى لإنتاج السماد العضوي”.

خطرت الفكرة لسيما ذات يوم أثناء توجهها إلى الجامعة في أوائل عام 2024، حين لاحظت أثناء ذهابها إلى الجامعة وجود كميات كبيرة من النفايات التي تخلفها مصانع العصير، خصوصاً خلال مهرجان الرمان السنوي في حلبجة. وقد أوحت لها هذه المشاهد المتكررة بفكرة المشروع.

في حلبجة، حيث يمتزج جمال الطبيعة بالجروح التاريخية، ما تزال التربة تحمل آثار الهجوم الكيميائي الذي شنّه نظام صدام حسين عام 1988، والذي أسفر عن مقتل الآلاف وإصابة الآلاف الآخرين، وترك أثراً طويل الأمد على البيئة الزراعية. وعلى الرغم من أن المنطقة تشتهر بالزراعة وتتمتع بتربة خصبة، فإن استخدام الأسمدة الكيميائية ما يزال شائعاً بين المزارعين، في محاولة لتعويض أي تراجع في الإنتاج.

تقول سيما: “هدفي هو وقف استخدام المواد الكيميائية في أرضنا لأنني أريد حماية البيئة والتربة، ومحو مرارة الهجوم الكيميائي. أردت أيضاً إيجاد مصدر رزق لي”.

تعرفت سيما على المخاطر البيئية للنفايات العضوية من أختها التي تدرس الزراعة في جامعة حلبجة. وقد ساعدها هذا على فهم العلاقة بين نفايات الطعام، والاحتباس الحراري، وتغير المناخ، خصوصاً أن العراق يُعدّ من بين أكثر خمس مناطق تضرراً على مستوى العالم من أزمة المناخ، وفقاً للبيانات الصادرة عن مؤتمر الأطراف 27 في 2022 ومنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي.

أنشأت سيما مشروعها بدعم من أسرتها وبمساعدة من المنظمة الألمانية GIZ، التي وفرت التدريب والتمويل الأولي. كما منحتها وزارة الزراعة قطعة أرض صغيرة أقامت عليها “مصنع كولا هيرو” لإنتاج السماد العضوي. 

يقع المشروع على بعد سبعة كيلومترات من مركز المدينة، حيث يمتد العشب أخضر في مواسم الجفاف. في خيمة صغيرة، تكدّس منتجات السماد إلى جانب أدوات بدائية: مجارف، دلاء، وموازين. وفي الخارج، تتراكم كومات من قشور الفاكهة ونفايات معاصر زيت الزيتون.

يبدأ الإنتاج بطحن القشور، ثم تُخلط بتربة شهرزور، وهي تربة محلية معروفة بخصوبتها. تمر المواد بعدة مراحل من المعالجة تستغرق أسابيع. حتى الآن، استلمت سيما ثلاثة أطنان من قشور الرمان، وهي تسعى لتوسيع المشروع وبيع السماد للمشاتل المحلية.

خنساء ماجد، وهي صاحبة مشتلة تبلغ من العمر 34 عاماً، جرّبت سماد سيما وتقول: “أشجع زبائني الآن على استخدام الأسمدة العضوية في حدائقهم”. وتشير سيما إلى الجانب الاقتصادي للمشروع أيضاً بقولها: “نشجع المزارعين على استخدام الأسمدة الطبيعية لأننا نتكبد خسائر اقتصادية فادحة جراء استيراد الأسمدة الكيميائية”. وتضيف: “في نهاية العمل نحصل على 1000 كيلوغرام من السماد من طن واحد من قشور الفاكهة”.

بحسب إحصاءات بلدية حلبجة، يتم جمع أكثر من 150 طناً من النفايات يومياً، تدفن معظمها خارج المدينة وتُطلق غاز الميثان، وهو من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. في هذا السياق، يشير ستار محمود، المدير العام للدائرة الزراعية في كردستان، إلى أن “جميع المواد الخام اللازمة لإنتاج الأسمدة العضوية متوفرة في الإقليم ونحن نشجع هكذا مبادرات”.

وتضم محافظة حلبجة 40 ألف شجرة جوز، وتنتج 40 طناً من الرمان سنوياً، ويعصر فيها 250 طناً من الزيتون لتحويله إلى زيت. وتهدر نفايات كل هذه المنتجات. أما عالمياً، قتُقدّر نسبة نفايات الفاكهة والخضروات بنحو 17%، لذلك توصي الأمم المتحدة بتحويل هذه المخلفات إلى سماد كوسيلة فعّالة لمكافحة التلوث.

ورغم أن سيما تسعى لتوسيع مشروعها وتطويره، فإنها تواجه مقاومة من بعض المزارعين المحليين الذين يفضلون الأسمدة الكيمياوية التقليدية. محمود قادر، البالغ من العمر 59 عاماً، مثال على ذلك. بينما كان يجهز نباتات الطماطم، قال إنه اشترى كيلو السماد الكيميائي بسعر 1250 ديناراً، وأضاف: “لو كانت الأسعار أقل لاستخدمت أكثر من ضعف هذه الكمية”. لم يعرف محمود أي معلومة دقيقة عن الأسمدة العضوية، ويؤمن بأن الكيميائية هي الأضمن.

وتظهر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن الأسمدة العضوية مثل روث الحيوانات تغني التربة وتحسّن إنتاجها. ويقول يريفان محمد، الحاصل على بكالوريوس في علوم التربة، إن “استخدام الأسمدة العضوية لمدة عامين متتاليين يحقق نفس المحصول الذي تحققه الأسمدة الكيميائية، ولكن دون إلحاق ضرر بالتربة والمياه”.

ويقرّ ديدار قيصر، بائع البذور والأسمدة في حلبجة، أن معظم المزارعين لا يطلبون الأسمدة العضوية رغم معرفتهم بها قائلاً: “إنهم ببساطة لا يؤمنون بها”. 

وبينما تغيب إجراءات ملموسة من سلطات الإقليم لتشجيع البدائل، يلعب أفراد مثل الدكتور مسلم سليمان، الأستاذ الجامعي والناشط البيئي، دوراً في نشر التوعية حول مخاطر الأسمدة الكيمياوية عبر وسائل التواصل والتعاون مع منظمات محلية.

تواجه سيما هذا التحدي بإصرار، وبدلاً من التراجع، هي مُصمّمة على تعزيز مشروعها الصغير وتوسيعه. حتى الآن، وظّفت عاملين، وتُجري محادثات مع امرأتين قد تنضمان إلى فريقها. كما تُفكّر في الاستثمار في التكنولوجيا.

تقول: “باستخدام آلة طحن جيدة جدًا، يُمكننا العمل بكفاءة أكبر ولن استسلم يوما” بالإضافة إلى ذلك، تُجري سيما تجارب على خليط من روث الحيوانات والماء ومواد طبيعية أخرى لإنتاج سماد عضوي أكثر استدامة وهي مؤمنة بأن الناس سيعون يوما فائدة السماد العضوي في في حماية أرضهم وأرزاقهم.

* ينشر هذا المقال ضمن مشروع “غرين بانتر” للصحافة البيئية بدعم من مؤسسة “تاز بانتر”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى