مختارات المحلات في حلبجة: نساء يغيرن وجه الإدارة المحلية

من مكتبها في جمعية مختاري حلبجة، تبدأ شلير صباحها بمتابعة مسؤولياتها في خدمة أهالي المدينة، مستمرة في طريقٍ اختارته بإصرار قبل أربع سنوات.

شلير جميل مصطفى، المعروفة بـ”شلير جميل الملة مصطفى كوكويي”، تشغل منصب مختارة محلة كاني عاشقان منذ ذلك الوقت، لتكون أول امرأة تتولى هذه المهمة في حلبجة. تقول “كان أبي مختارًا في حلبجة، وبحكم قربي منه تعلمت المهنة، وبعد وفاته واصلت هذا الطريق”.

لم تكن شلير مجرد امرأة قررت أن تواصل مهنة والدها، بل كانت أول امرأة في عموم إقليم كردستان العراق تشغل هذا المنصب الذي يعد من المناصب الاجتماعية التقليدية ذات الطابع الذكوري.

مهام المختار، وفق النظام الإداري العراقي، تشمل تصديق الوثائق الرسمية وتقديم تأييدات السكن والهوية وتسهيل شؤون المواطنين اليومية، وهو ما يجعل المختار صلة وصل بين المجتمع المحلي والإدارات الرسمية.

في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أصبحت شلير مختارة لجميع أرجاء حلبجة، ومع توسع المدينة عمرانيًا وسكانيًا تأسست في الأول من آب/أغسطس 2023 جمعية مختاري حلبجة بهدف تنظيم العمل وتوزيع المهام بشكل أكثر عدالة وفعالية.

عُقد أول اجتماع للجمعية، وجرى خلاله تقسيم الأحياء بين المختارين، حيث تقرر أن يتولى كل مختار مسؤولية محلة واحدة، وتم تعيين شلير نائبة لرئيس جمعية مختاري كردستان في حلبجة إلى جانب بقائها مختارة لمحلتها، وإسناد مسؤولية محلتين إضافيتين إليها مؤقتًا هما موردانة وباموك، لحين تعيين مختارين ثابتين لهما.

توضح شلير “في البداية كان العمل بسيطًا، المواطنون يحتاجون فقط إلى ختم على مستنداتهم، لكن بعد تأسيس الجمعية أصبحت الإجراءات أكثر تنظيمًا وارتباطًا بالضوابط القانونية. نحن الآن نوجه المعاملات مباشرة إلى إدارة المحافظة”.

رغم أن مهنة المختار في العراق غالبًا ما ارتبطت بالرجال، فإن شلير استطاعت كسر الصورة النمطية. تقول: “كنت متخوفة في البداية، لكنني وجدت دعمًا كبيرًا من مواطني حلبجة الذين يتمتعون بتاريخ مشرّف في التعاون مع الإدارة المحلية”.

اليوم، من بين 13 مختارًا في مدينة حلبجة، هناك ثلاث نساء يزاولن المهنة، في مؤشر على التحول التدريجي في تقبل النساء في مواقع القيادة المحلية.

وتضيف شلير “مهام المختار كثيرة، من بينها تأييدات السكن، تجديد واستخراج الجوازات، بطاقة المعلومات، تأييدات طلبة الجامعات والمعاهد، وتأييدات التعيين”. وتشير إلى أن شروط تولي المهنة تتضمن ألا يقل عمر المتقدم عن 30 عامًا، وأن يجيد القراءة والكتابة، مع أولوية لحاملي الشهادات الجامعية، إلى جانب تمتعه بسمعة اجتماعية جيدة.

وتدعو شلير الشباب والشابات من خريجي المعاهد والجامعات إلى التقدم لشغل الشواغر في الأحياء التي لا يوجد فيها مختار حاليًا، معتبرة أن الخدمة المجتمعية من أرقى أشكال العمل العام.

شلير ليس المرأة الوحيدة التي تشغل منصب المختارة في حلبجة، فالسيدة أشنآ رفيق صالح، هي أيضًا مختارة لمحلة “سرا”، وتشرف مؤقتًا على محلتين إضافيتين هما اندازياران وبختياري. أشنآ خريجة كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة السليمانية لسنة 2013، ولم تنل فرصة التعيين في أي دائرة حكومية، ما دفعها منذ عامين إلى دخول مجال لم يكن مألوفًا للنساء في السابق.

تقول “لو علمت أن هذه المهنة مناسبة للنساء، لكنت دخلتها قبل 11 سنة. المهنة مريحة، تمكنني من التفاعل مع المجتمع ومساعدة الناس، وهذا يمنحني شعورًا بالرضا”.

وعن بداياتها، تقول: “لم أواجه صعوبة، فالسيدة شلير كانت أول من دعمنا، عمليًا ومعنويًا، ونحن ممتنون لها”.

تشير أشنآ إلى أن المهنة ليست صعبة، لكنها تتطلب دقة عالية، لأن المختار هو أول جهة تتعامل مع الوثائق الحكومية الرسمية. وتتابع قائلة: “أشجع كل الخريجين والخريجات على دخول هذا المجال. العمر يمر، والمهنة تمنحك فرصة لخدمة الآخرين، وهذا وحده كفيل بأن يشعرك بالطمأنينة”.

تُعد مهنة المختار من بقايا نظام الإدارة العثماني، وقد استمر العمل بها في العراق الحديث، لكنها باتت اليوم تشهد مشاركة نسائية غير مسبوقة، خصوصًا في مناطق مثل حلبجة التي عرفت بنضالاتها وتضحياتها في التاريخ العراقي الحديث، أبرزها مجزرة 1988 التي ارتكبها نظام صدام حسين، وأدت إلى مقتل آلاف المدنيين بغاز الخردل.

اليوم، تسعى نساء مثل شلير وأشنآ إلى رسم صورة جديدة للمرأة الكردية في العمل العام، عبر أداء مهني متقن وحضور اجتماعي فعّال في محيطهن. وتُشكل هذه التجربة نموذجًا لإمكانية دمج النساء في أدوار صنع القرار المحلي، بما يعزز المشاركة السياسية والاجتماعية للمرأة الكردية والعراقية بشكل أوسع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى