لأول مرة.. ذوو الاحتياجات الخاصة يدخلون سباق البرلمان العراقي

مهدي غريب – بغداد
لأول مرة في تاريخ مجلس النواب، يدخل شاب عراقي من بغداد من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى السباق الانتخابي، ساعيًا لتشريع القوانين التي تمس حياتهم اليومية وتفتح باب المطالب المؤجلة.
حسين الجزائري، الشاب الحالم، يبلغ من العمر 36 عامًا، وهو خريج جامعة بغداد ورئيس مؤسسة “جرعة” لذوي الاحتياجات الخاصة. إهمال هذه الشريحة وتهميشها جعلاه يقتنع أن البرلمان ليس منصة شخصية، بل أداة لتحويل هموم الناس إلى قوانين ملزمة.
يقول حسين: “أنا ما أعتبر نفسي ممثل نفسي، أنا ممثل شريحة كبيرة عاشت الإقصاء والتهميش. وجودي محاولة لإعادة الاعتبار، وتحريك ملفات ظلت جامدة لسنوات”.
بينما يتحدث حسين عن الطموح والتشريعات، يعكس علي — رجل في منتصف الثلاثينات وُلد بتشوّه في ساقه — صورة الحياة اليومية المليئة بالصعوبات. في المدرسة لم يكن يجد مقعدًا مهيأً لراحته، وفي الجامعة واجه سلالم طويلة بلا مصاعد، أما في سوق العمل فكان يُرفض في أكثر من مقابلة لمجرد إعاقته الجسدية.
يقول علي: “من كنت طفل، كنت أسمع كلمة (معاق) أكثر من اسمي. حتى لما كبرت، المباني مو مهيأة، والدوائر الحكومية ما تباوع علينا. لما شفت حسين يدخل المجلس، لأول مرة حسّيت إنه أكو شخص ممكن يوصل معاناتي كقانون مو بس كحچي”.
وجود نائب من ذوي الاحتياجات الخاصة داخل البرلمان لا يعني فقط تمرير قوانين، بل يفتح نقاشًا أوسع عن نظرة المجتمع. هذه النظرة التي تجعل كثيرين مثل علي يشعرون أنهم خارج دائرة الاهتمام. فالطريق نحو التغيير لا يمر فقط عبر النصوص القانونية، بل عبر تعديل وعي اجتماعي يرى الإعاقة عبئًا لا طاقة. من هنا، دخول حسين ليس مجرد مقعد، بل تحوّل رمزي بأن هذه الفئة حاضرة، قادرة، وصاحبة صوت سياسي.
زهراء، شابة من مواليد 1996، تحمل جرحًا لا يُنسى منذ طفولتها. عام 2006 خرجت مع والدها في أحد شوارع بغداد، لكن انفجارًا إرهابيًا قلب المشهد إلى مأساة. استيقظت لتجد يدها مبتورة، وذاكرة مثقلة بالدمار.
تقول زهراء: “چنت بعدني صغيرة، كل همي أرجع ألعب. بس صارت حياتي مختلفة. تعلمت أكتب بيدي الثانية، كملت دراسة، ورفضت أبقى محبوسة. لما أشوف حسين يدخل البرلمان، أشوف أمل أنه يومًا ما يكون أكو قوانين تحمينا وتدعمنا حتى نعيش بكرامة”.
قصة زهراء ليست فردية، بل هي مرآة لآلاف القصص التي ارتبطت بالعنف والإرهاب والإهمال في آن واحد. أصوات مثل صوت زهراء تجعل قضية التمثيل السياسي أكثر وضوحًا. “القضية ليست منبرًا سياسيًا، بل واقع يومي لمواطنين حُرموا من أبسط حقوقهم” تضيف زهراء، ومن هنا تأتي أهمية النظر إلى دخول حسين كجزء من مشروع أكبر لبناء دولة أكثر شمولًا وعدلًا.
وتُقدَّر نسبة ذوي الإعاقة في العراق بما بين 12 إلى 15% من السكان، أي ملايين الأشخاص موزعين على مختلف المحافظات. ورغم وجود قانون خاص برعايتهم (قانون رقم 38 لسنة 2013) الذي يضمن حقوقًا في التعليم والعمل والصحة، إلا أن ضعف التنفيذ وغياب البنى التحتية المهيأة يجعل معظم هذه الحقوق غير مطبّقة فعليًا، ما يفاقم معاناتهم اليومية.

“قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة” (قانون رقم 38)، الذي أقر في عام 2013 نصّ على إنشاء هيئة مستقلة تُعنى بشؤون هذه الفئة، وضمان حقوقها في التعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل، وتهيئة البيئة العمرانية. لكن رغم مرور أكثر من عشر سنوات على إقراره، ما يزال القانون يعاني من ضعف في التنفيذ وغياب الدعم المالي الكافي، وهو ما جعل الكثير من بنوده حبرًا على ورق، وزاد من إحباط شريحة واسعة من ذوي الاحتياجات.
من جانبه، يوضح الناشط المدني حسن جاسم أن المشاركة السياسية لذوي الاحتياجات الخاصة تمثل اختبارًا حقيقيًا للديمقراطية. يقول حسن: “إحنا ما نريد نحتفل بوجود مقعد واحد. المطلوب سياسات عامة واضحة، قوانين لحماية فرص العمل، تهيئة البنى التحتية، توفير الدعم الصحي والتعليمي. دخول حسين خطوة أولى، لكن الطريق يحتاج جهد جماعي”.
ومن داخل مجلس النواب، يعلّق النائب زهير الفتاوي، ممثل كتلة إشراقة كانون، قائلاً: “هذه فرصة جيدة لدخول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى البرلمان، وتشريع القوانين التي تضمن حقوقهم. البرلمان أمام مسؤولية أن يهتم بهذه الشريحة الكبيرة، فهي ليست أقلية صغيرة، بل جزء أساسي من المجتمع. وجود ممثل منهم يجعل التشريعات أكثر واقعية ويلزمنا جميعًا بالعمل الجاد لتحسين أوضاعهم”.
أما المرشح واثق الجابري، الذي يخوض الانتخابات في الدورة الحالية، فيرى أن هذه الخطوة تحمل بعدًا إيجابيًا للحياة السياسية.
يقول الجابري: “دخول شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى المجلس يمثل رسالة أمل. هذا الأمر يفتح المجال أمام فئات أخرى تشعر بالتهميش لتجد نفسها جزءًا من العملية السياسية. نحن بحاجة إلى برلمان يشبه الناس، ويعكس تنوعهم وتحدياتهم، حتى تكون القوانين أكثر عدلًا وقربًا من الواقع”.
انتخابات 2021 العراقية شهدت دخول نحو 950 امرأة إلى السباق الانتخابي، حصلت منهن 87 على مقاعد نيابية، أي بنسبة 29% من البرلمان، وهو رقم تجاوز الكوتا الدستورية البالغة 25%. لكن في المقابل، لم تسجّل الانتخابات الماضية أي تمثيل مباشر لذوي الاحتياجات الخاصة. وبالتالي فإن ترشّح حسين الجزائري في دورة 2025 يمثل سابقة جديدة يمكن أن تفتح الباب أمام مشاركة هذه الفئة في العملية السياسية.
أبو مصطفى، رجل خمسيني من بغداد، يعلّق قائلاً: “كل يوم أشوف ذوي احتياجات خاصة يتعذبون حتى يمشون بالشارع أو يدخلون دائرة حكومية. إذا صار نائب منهم بالبرلمان، يمكن المسؤولين يحسون بمعاناتهم. المهم تكون أفعال مو مجرد شعارات”.
ثم يضيف: “إحنا تعبنا من وعود ما تنفذ. نتمنى نشوف ممرات مهيأة، مدارس تستقبل كل الأطفال بدون فرق، ومستشفيات تقدم رعاية حقيقية. إذا البرلمان يشتغل على هذا الشي، فهذي بداية تغيير.”
تتقاطع الحكايات بين تجربة علي اليومية، وذاكرة زهراء المثقلة بالجراح، ومطالب الناشطين، وصوت المواطن العابر للشارع. وفي منتصف كل هذه الأصوات يقف حسين الجزائري، محاطًا بانتظارات أكبر منه، لكنه يرى فيها دافعًا لا عبئًا. فبالنسبة له، دخول البرلمان ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة ليحوّل كل تلك المعاناة المتفرقة إلى مسار واحد: تشريعات تضع كرامة ذوي الاحتياجات الخاصة في قلب السياسة العراقية.
يقول حسين: “وجودي بالبرلمان فرصة حتى نغيّر النظرة السائدة. نريد قوانين حقيقية، نريد برامج تعليمية وصحية، ونريد بيئة تحترم الجميع. أنا مؤمن أن التغيير ما يجي بيوم وليلة، لكن يبدأ بخطوة”.



