في إقليم كرستان: ماذا نفعل عندما يكون الفنّ الشعبي عدواً للمرأة؟
المنصة- ليلى احمد ورنكين سلام
لا تخلو الأغنيات الشعبية المنتجة في إقليم كوردستان من كلمات وألفاظ تحضّ على العنف ضد المرأة أو تدعو لتعدد الزوجات كما تنتشر في الفترة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أغنيات تثير حفيظة الأسر التقليدية لاحتوائها على عبارات توصف بـ “غير اللائقة”.
ورغم أن قوانين في الإقليم كانت قد دخلت حيز التنفيذ منذ عام 2011 كقانون رقم 8 لمواجهة العنف الأسري تحظر ممارسة العنف ضد المرأة وتمنع تعدد الزوجات، إلا أن المشرعين لم يسنوا أي قانون للتعامل مع الأغنيات التي تروج للعنف وتعلي من شأن القيم الذكورية.
ويمكن العثور في أرشيف الأغنيات الشعبية في اقليم كوردستان على عشرات الأغنيات لفنانين رجال تحتوي على كلماتٍ وعباراتٍ تدعو لضرب المرأة أو تصفها بأنها صاحبة “نصف عقل ونصف دين” أو أغنية تدعو لعدم الاكتفاء بزوجة واحدة.
أما الآن فإن فنانات أيضاً انضممن إلى هذا التيار، ويستخدمن كلمات توصف بـ “غير اللائقة” مثل الأغاني الجديدة لـ “هيلي لف” و”كومساي” التي تضم عبارات وصفت بأنها “غير ملائمة للأطفال والمراهقين وفيها تسليع للمرأة”، لكن يبقى سؤال حرية التعبير مؤثراً على الحكم على هذا النوع من الأغنيات وطريقة التعامل معها.
تقول المحامية المستشارة والناشطة في مجال حقوق المرأة شوخان حمه رشيد إنه لابد أن يكون لكل عمل حدود، وتضيف: “في بلادنا يتم التجاوز على الحدود باسم الحرية، ينشر كل شخص ما يريده في حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وتضيف: “لم يتم متابعة هذه الأفعال قبل انتشارها ما ترك تاثيرا على المجتمع والنساء ولا سيما النساء الناشطات، لأن المجتمع يرى أننا نحن من يريد ذلك، ولكننا نحن الناشطات لسنا جزءاً من هذا الفن ولا ندعمه”.
وأوضحت شوخان أن “وجود مشروع قانون ينظم هذا الأمر هام جداً وقد جرت محاولات بهذا الاتجاه خلال الفترات الماضية، ولكن الفنانين وقفوا ضد مشروع القانون ورأوا أن حرياتهم ستحجّم وأن هذا يعتبر تدخلاً في المجال الفني”.
وطالبت المحامية الكردية بتشريع قانون “يراقب الأعمال الفنية والمسرحية والدراما وبرامج القنوات التلفزيونية”.
ولكي لا يتعارض هذا القانون مع الحريات الفردية والقيم الديمقراطية تقترح المحامية أن يتم إشراك مستشارين قانونيين واجتماعيين ونفسيين وخبراء جندريين في دراسته، فضلا عن نقابات الفنانين والصحفيين.
تعليقاً على هذا الاقتراح يقول نامق هورامي، المتحدث ومدير العلاقات العامة في وزارة الثقافة في إقليم كوردستان: “لم تضع وزارة الثقافة أي رقابة على الأعمال الفنية ولا نعلم بالأعمال الفنية حتى يتم نشرها، ولا يجوز للحكومة أن تتدخل في الأعمال الفنية”.
ويضيف: “لكن متى ما أدت الأعمال الفنية إلى امتعاض المجتمع فيمكننا أن نبلغ شركات نشر تلك الأعمال مباشرة لإيقاف نشرها، وقد أوقفنا الكثير من الأعمال خلال الفترات الماضية. عدى هذا ليس لدى الوزارة صلاحيات أخرى”.
وأضاف هورامي أيضاً: “من المهم أن تقدم منظمات المجتمع المدني والمنظمات الخاصة بحقوق المرأة مشروع القانون هذا إلى البرلمان ويصبح قانونا يلزم وزارة الثقافة بتنفيذه”.
في السياق نفسه ترى رئيسة لجنة الثقافة في برلمان كوردستان سلمى فاتح توفيق أن من واجب وزارة الثقافة حماية التراث والثقافة والفن الكوردي وبإمكانها أن تمنع نشر عمل أي فنان إذا كان باللغة الكوردية، “أما إذا كان الفنان يقيم خارج كوردستان ويغني بلغة أخرى فلا تستطيع منعه”.
وحول وجود مشروع قانون يحظر العنف الذي يمارس باسم الفن ضد النساء ويكاد يصبح ظاهرة تقول النائب سلمى فاتح توفيق: “إن الفن هو موضع الحرية وإن تأثير الغرب على الفنانين الذين يبدؤون حديثا ويعيش بعضهم في الغرب جعلهم يلجؤون إلى كل شيء طلبا للشهرة، لكن لا يمكن وضع قيود على الفن، ولو وصل مشروع قانون مناسب إلى البرلمان فسوف ندعمه”.
وتضيف البرلمانية الكوردية: “لم يصلنا حتى الآن شيئا من نقابة الفنانين والأدباء والمثقفين والمغنين لوضع قانون.. نحتاج إلى الفنانين أصحاب التجارب والكفاءات الذين جعلوا الفن الكوردي همّهم لتنظيم هذا الموضوع بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية”.
وأشارت توفيق إلى أن وزارة الثقافة وفي آخر التطورات أوقفت عملياً فنياً لأحد المغنين، وهو أمر تكرر أكثر من مرة، وترى أنه “لابد للفنانين أن يأخذوا في الاعتبار عدم نشر العنف عن طريق الفن”.
أما الفنان نيجير هورامي الذي سبق ونشر أغنية تدعو لتعدد الزوجات فيرى أن الفن الشعبي مستمد من كلام الناس اليومي وله تاريخ قديم وأن الناس يحبون تلك الكلمات والعبارات، ويقول: “أتلقى المديح يومياً من قبل جمهوري على استخدام تلك الكلمات وهناك مغنون آخرون ايضاً يعملون بالطريقة نفسها”.
ويضرب هورامي مثلاً بأغنية غناها في جلسة خاصة حصلت على 10 ملايين مشاهدة على اليوتيوب، بينما نشر قبل نحو شهر أغنية أخرى تقليدية صوّرها بالزي الكوردي تتضمن أمثالاً شعبية كوردية، لكنها حصلت على أرقام مشاهدات قليلة.
لذلك يرى هورامي أنه “لابد أن نغني حسب رغبة الناس وليس حسب رغبتنا، كما أن الكلمات والعبارات التي نستخدمها ليست غير لائقة، فالزواج من أربع نساء كان حلالاً في زمن النبي ايضاً”.
وقال نجير هورامي: “الكلمات التي استخدمها في أغنياتي هي مجرد كلمات لإثراء الأغنية، وغالبا ما يطلب مني الناس غناء الأغنيات التي فيها كلمات حول تعدد الزوجات وحول الأرامل.. وإلخ..، وليس لدي علم بأن هناك قانون رقم 8 لمواجهة العنف الاسري ويمنع تعدد الزوجات”.
من جهته يقول نقيب فناني كوردستان نياز نوري: “لا يوجد قانون يمنع الفنانين من نشر الكلمات غير اللائقة والعبارات غير الملائمة التي تنتشر عبر مايسمى بالفن الشعبي، لأن معظم تلك الأغاني تنتشر في الجلسات الخاصة عبر صفحات وحسابات خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وليس عبر قنوات إعلامية رسمية حتى تمنع بالقانون”.
وأضاف نوري: “فيما مضى تم منع نشر العديد من الكليبات والاغاني عن طريق وزراة الثقافة وهي السلطة التنفيذية، وهناك العديد من الاعمال الفنية التي أوقفتها وزارة الثقافة بناء على طلب من نقابة الفنانين”.