سوق الإسترابادي: أكثر من مائة محل.. وأكثر من مائة عام

بغداد- سارة حسين

في زقاق قديم من أزقة مدينة الكاظمية العريقة في بغداد، يقبع سوق الإسترابادي المتخصص ببيع الملابس العربية التقليدية.

هذا المكان بالنسبة لأهالي بغداد ليس مجرد سوق فحسب، إنما رمز للهوية والتراث البغداديين، يقصده زوار من مختلف المحافظات ومن الدول العربية، لاقتناء الزي التقليدي الأصيل المصنوع بأيدٍ عراقية ماهرة.

يعد سوق الإسترابادي أقدم سوق في الكاظمية فقد أنشئ عام 1912 بطراز معماري فريد ليضم أكثر من مئة محل وورشة، وكان ولا يزال مقصداً لبيع العباءات العربية التقليدية والعقال، وغيرها من الأزياء التي تعكس أصالة التراث العراقي باستخدام أفضل الأقمشة والخيوط، مما يجذب إليه الناس من داخل العراق وخارجه.

وتعرض سوق الإسترابادي لعدة أضرار عبر تاريخه الطويل، منها حرائق في السبعينيات أسفرت عن انهيار بعض سقوفه وجدرانه، خاصة في الطبقة العلوية، نظراً لاستخدام الخشب في بناء تلك الأقسام. كما شهد السوق في عام 2007 تفجيراً إرهابياً أوقع أضراراً جسيمة.

ورغم تاريخه وأهميته، لم يحظ السوق باهتمام كافٍ من الحكومات السابقة، إذ لم تُنفذ سوى وعود بتطويره وتأهيله.

أبو حيدر، أحد الباعة في سوق الإسترابادي، يتحدث بفخر عن تجربته التي تمتد لأكثر من ثلاثين عاماً في هذا السوق. يقول: “بدأت العمل منذ كان عمري تسع سنوات، تعلمت كل شيء عن الأقمشة والخيوط والتفصيل من والدي الذي ورث هذه المهنة من جدي”.

ويضيف: “الإقبال على الزي العربي كبير جداً، ونستقبل زبائن من مختلف المحافظات والدول لشراء العباءة العربية التي تمثل تراثاً عريقاً”.

يشرح أبو حيدر أن هناك أنواعاً مختلفة من العباءات مثل العباءة السورية والعراقية المحلية (اليدوية) وعباءة الغزل.

أما أسعارها فتبدأ من 25 ألف دينار وما فوق بناءً على نوع القماش المستخدم، فهناك القماش السوري المرغوب بشدة بسبب سعره المناسب وجودته العالية، وهناك أقمشة أغلى ثمناً مثل النجفي، والياباني، والتركي، والإيراني، بالإضافة إلى الخيوط التي تأتي بأنواع مختلفة مثل الياباني، الفرنسي، وغيرها.

يلاحظ أبو حيدر التطورات التي شهدتها مهنة خياطة العباءات في سوق الإسترابادي، إذ زاد عدد الورش والخياطين بفضل توفر الأدوات الحديثة التي لم تكن متاحة في الماضي.

يقول: “في السابق، لم تكن هناك مكائن خياطة، أما الآن فقد أصبح كل شيء متوفراً، مما زاد من عدد الخياطين وزاد من إقبال الناس على شراء الزي العربي”.

عملية صناعة العباءة الواحدة قد تستغرق خمسة أيام كحد أقصى بحسب أبي حيدر، فكل تفصيلة في العباءة يقوم بها مختص، “منهم من يبدع في الخياطة، ومنهم من يتقن التفصيل، وآخرون يضيفون التفاصيل الدقيقة على القطعة. كل شخص يساهم بخبرته لتخرج العباءة بجودة عالية ترضي الزبون”.

يذكر أبو حيدر بفخر مشاركاته المتكررة في معرض بغداد الدولي، حيث لاحظ الإقبال الكبير من السياح والناس على شراء العباءات، بعضهم من دول الخليج العربي وآخرون من سوريا والأردن، بل هناك أيضاً أوروبيون يرغبون باقتناء هذا الزي. هذا يجعله سعيداً بأن الزي العربي ما زال محبوباً وبأن مهنته ما زالت صالحة للبقاء.

من جهة ثانية، يأمل أبو حيدر ومعه كثيرون من التجار والعاملين في السوق بأن تولي الحكومة الحالية والجهات المعنية السوق اهتماماً أكبر، نظراً لأهميته التاريخية والمعمارية، ولأهمية المحافظة على صناعة الأزياء التقليدية، ولكن لأنه أيضاً مصدر رزق لعشرات العائلات في المدينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى