بدأت مع الأثرياء والمشاهير: “سياحة اللقاحات” تلقى رواجاً بين العراقيين

المنصة- بغداد- حيدر نجم*             

دفع تأخر السلطات الصحية العراقية في تطعيم مواطنيها باللقاحات المضادة لفيروس “كورونا” وعجزها المستمر عن تأمين الأمصال اللازمة لمجابهة هذا الوباء، عدداً من العراقيين وعائلاتهم للبحث عن أماكن أخرى لتلقي جرعات اللقاح حتى لو تطلب الأمر المخاطرة بالسفر خارج البلاد وخسارة آلاف الدولارات.

هذا الموضوع الذي يدلّ -بحسب مراقبين- على فشل السلطات الصحية والسياسية المسؤولة عن صحة المواطن العراقي، بات يعرف بـ”سياحة اللقاحات” وهو نوع جديد من السياحة العلاجية التي خبرها العراقيون جيداً منذ سنوات طويلة؛ لكنه يقتصر حاليا على الأثرياء منهم والمتنفذين وآخرين ممن لهم علاقات أو ربما ارتباطات بجهات خارجية.

شهادات تلقيح

طبقاً لموظف منتدب من وزارة الصحة يعمل في مطار بغداد الدولي، فإن عدد من المسافرين العراقيين القادمين عبر رحلات شركة الخطوط الجوية العراقية وشركات خليجية وعربية، قدموا شهادات تلقيح صادرة من دول عربية وأجنبية تفيد بتلقيهم اللقاح المضاد للفيروس التاجي، الأمر الذي أعفاهم من إجراء اختبارات الكشف عن الإصابة بـ” “COVID-19المعروفة اختصارا بـ”PCR” وكذلك من الخضوع للحجر الصحي.

الموظف الحكومي الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه خشية تعرضه لعقوبات مثلما حصل مؤخرا مع أحد زملائه الذين انتقدوا وزارة الصحة وإجراءاتها، قال في تصريح للمنصة إن “نوابا وسياسيين معروفين.. من بين من قدموا شهادات التلقيح”.

ويضيف: “كما قدم تلك الشهادات وزراء ومسئولين حاليين وسابقين مع أفراد أسرهم، بعضهم يحمل جوازات سفر دبلوماسية نافذة..”.

مستفيدين آخرين

إضافة إلى هؤلاء، هناك مستفيدون آخرون من شهادات التلقيح الخارجية – مثلما يُتداول في أروقة المطار وخارجه – هم رجال أعمال وتجار كبار تلقوا اللقاحات في دولة الإمارات باعتبارها مقر عملهم ومصدر تجارتهم المزدهرة.

الفريق الثالث المحظوظ الذي نال نصيبه من “سياحة اللقاحات” هم مطربين صاعدين و”فاشينستات” ومشاهير على “السوشيال ميديا” لم ينفكوا يتنقلون داخل وخارج العراق تلبية للطلبات وإقامة الحفلات رغم تفشي الجائحة العالمية.

تأتي هذه المعلومات، في وقت كشف تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية قبل أيام، عن وجود “برنامج تلقيح سري” معتمد في الإمارات تمكن خلاله أصحاب الصّلات والمشاهير من الحصول على الجرعات اللازمة من اللقاحات ذات المناشئ المختلفة، بفضل علاقاتهم بأشخاص من العوائل الحاكمة في هذه الدولة الخليجية الثرية.

“مدراء الشركات والأثرياء إضافة إلى السياسيين.. هم من تمكنوا من الحصول على التطعيم ضد ((COVID-19 في الإمارات”، يشير التقرير المذكور الذي كشف أيضا إن أمراء في كل من دبي وأبو ظبي “ساعدوا أشخاص غير مقيمين في الحصول على لقاح”.

آلية التلقيح.. وآلاف الدولارات 

بالعودة إلى المعلومات الحصرية، فان الموظف الصحي ينقل عن احد أصحاب شهادات التلقيح الإماراتية حول الكيفية التي يتم فيها تلقي العراقيين اللقاح في الإمارات، قوله: “سافرت أنا وعائلتي قبل شهر إلى دبي.. وتقدمت أثناء تواجدي هناك بطلب لأخذ اللقاح وتم الأمر بفضل الخيرين”.

صاحب شهادة التلقيح، وهو تاجر قطع غيار السيارات مثلما عرف عن نفسه، أوضح في حديث جانبي مع موظف المطار، إن العملية برمتها كلفته بضعة آلاف من الدولارات صُرفت على تكاليف السفر والإقامة السياحية في دبي، فيما جرعات اللقاح مُنحت له ولعائلته المتكونة من ثلاث أفراد مجانا وعلى مرتين بفترة ثلاث أسابيع بين الجرعة الأولى والثانية.

ويكشف التاجر أيضا للموظف الحكومي أن “هناك عراقيين أعرفهم تجار وغيرهم، تلقوا لقاحات، بعضهم مقيم في الإمارات وآخرون يترددون عليها باستمرار بحكم نشاطهم وعملهم فيها”.

ما أورده هذا التاجر العراقي، يتقاطع مع ما جاء في تقرير الصحيفة البريطانية، التي أفادت بأن عدد من المسؤولين في إمارة “أبو ظبي” قدموا اللقاحات لمجموعة من رجال الأعمال غير المقيمين في الإمارات، ممن لهم علاقات ونشاطات عمل تجارية في هذه الإمارة الغنية بالنفط.

تطعيم متأخر.. وتلقيح ضروري

منذ أشهر باشرت دول خليجية وعربية وإقليمية من بينها الأمارات – التي باتت مركزا إقليميا لتوزيع اللقاحات – بحملات التطعيم وشجعت مواطنيها والمقيمين على أراضيها بتلقي لقاحات متنوعة ذات مناشئ مختلفة، دون الركون إلى لقاح بعينه، خلافا للعراق الذي لم يتمكن من التطعيم إلا قبل أيام معدودة فقط بعد أن وصلته 50 ألف جرعة لقاح تبرعت بها جمهورية الصين الشعبية.

عملية التطعيم المتأخرة، اقتصرت على فئات معينة في مقدمتها الكوادر الصحية التي عزفت بعضها عن اخذ اللقاح خشية من العوارض والتداعيات الصحية. في حين لا يزال معظم العراقيين ينتظرون دورهم في قائمة الانتظار الطويلة لتلقي الأمصال المضادة للوقاية من خطر الإصابة بالفيروس التاجي وسلالاته المتحورة.

وكغيره من العراقيين الذين يتطلب عملهم السفر كثيرا، فان أخذ اللقاح بالنسبة للتاجر صاحب شهادة التلقيح الإماراتية يعتبر ضرورة ملحة وليس رفاهية، سيما وأن هناك دولاً بدأت تشترط أخذه كجواز لدخول أراضيها، لا بل أن شركات طيران بدأت تفرض على المسافرين تلقي اللقاح مقابل السماح لهم ركوب طائراتها. 

أرقام مخيفة وترتيب سيء

يقف العراق في أعلى هرم قائمة الدول العربية الأكثر تسجيلا للإصابات بمعدل فاق أحيانا الـ (5000) إصابة في اليوم الواحد – طبقا لإحصاءات رسمية صادرة عن وزارة الصحة – ناهيك عن الحالات غير المُسجلة.

كما احتل المرتبة الأولى عربيا بأعداد المتوفين جراء الوباء العالمي، مثلما أفادت وكالات ودوريات طبية معنية برصد ومراقبة ضحايا الجائحة “الكورونية” حول العالم. وهو ترتيب يخالف ما أوردته الجهات الصحية المعنية في البلاد.

وتأتي هذه الأرقام المخيفة والتسلسل السيئ، رغم الإجراءات الصارمة التي عادت السلطات لفرضها منذ شهر تقريبا عبر تطبيق حظر شامل لمدة ثلاثة أيام من الأسبوع وجزئيا لما تبقى منه. في ظل وعود حكومية مُكررة بوصول وجبات للقاحات متنوعة المناشئ العالمية سبق أن تم التعاقد عليها بملايين الدولارات، وهو ما لم يتم حتى لحظة إعداد هذه التقرير.

نفي وإخلاء مسئولية!

من جهتها، أخلت وزارة الصحة العراقية مسؤوليتها تجاه الذين تلقوا اللقاح خارج البلاد. وتقول في هذا الإطار، الدكتورة ربى فلاح حسن، عضو الفريق الإعلامي الطبي في الوزارة: “لسنا مسؤولين عن الذين لم يتلقوا اللقاح داخل مؤسساتنا.. لم نشجعهم على التطعيم خارج البلاد، هذا الأمر متروك لهم”.

وفي ردها على سؤال بان الدافع وراء تلقي بعض العراقيين اللقاح في الخارج هو تأخر حملة التطعيم داخل البلاد، أجابت: “سبب تأخر وصول اللقاحات للعراق هي مسألة أولوية التعاقد..”.

“وكذلك الشروط التي وضعتها بعض الشركات المصنعة التي اشترطت منحها حصانة ضد أي ملاحقة قضائية، وهو موضوع من اختصاص السلطة التشريعية”، تضيف الدكتورة رُبى.

وبينما أعلنت دول إقليمية مثل تركيا عن وصول عدد الملقحين فيها إلى أكثر من (7) ملايين شخص، إلا أن مجموع من سيتم تلقيحهم في العراق لن يتعدى (25) ألف شخص بواقع جرعتين لكل شخص، طبقا لعدد اللقاحات الصينية التي وصلت البلاد مطلع الشهر الجاري.

إعلان مكرر وفشل متواصل؟

السلطات المعنية في بلاد الرافدين، أعلنت مرارا وتكرارا تعاقدها لشراء لقاحات أمريكية وبريطانية وصينية وروسية، لكنها لم تحصل حتى الآن على حصصها في ظل توزيع غير عادل للقاحات على المستوى العالمي الذي وصل لحد “قرصنة” الحصص؛ تماما مثلما حصل مع بداية تفشي الجائحة “الكورونية” واستيلاء بعض الدول على المستلزمات الوقائية وعلاجات دول أخرى.

هذا الفشل في موضوع تأخر اللقاحات المطلوبة، قوبل بانتقادات لاذعة واتهامات حادة بالتقصير وجهت من قبل زعامات سياسية وشخصيات مجتمعية ضد الحكومة العراقية ووزارة الصحة تحديدا. لا سيما وان دولا فقيرة وصغيرة لا تمتلك إمكانيات العراق سجلت تقدما لافتا في موضوع التطعيم.

موسم “سياحة اللقاحات”

ويتوقع أن تبدأ دول في المنطقة والعالم برنامج “سياحة اللقاحات” خصوصا وأن عددا منها أخذت تخطط لتصنيع اللقاحات. فمثلا تبذل تركيا ومصر جهودا لافتة لكي تصبح كل منها مركزا إقليميا لإنتاج اللقاحات العالمية على اختلاف منشئها وتوزيعها لاحقا على الدول الراغبة.

وعلى ضوء ما تقدم، فانه يمكن أن تزدهر “سياحة اللقاحات” عند العراقيين الراغبين بالتطعيم إذا ما تأخرت اللقاحات أكثر من ذلك؛ خصوصا وان البلاد ترزح تحت وطأة واقع صحي مزر نتيجة تدهور القطاع الطبي وانحدار مؤشر أدائه البياني بانسيابية سريعة نحو القاع وتهالك بُناه التحتية؛ ناهيك عن النقص المتواصل في الأدوية والعلاجات اللازمة للأمراض المزمنة.  

      

*حيدر نجم: صحافي وكاتب مهتم بتغطية الشؤون السياسية والعامة في العراق، عمل في عدد من الصحف العربية من بينها جريدتا “الشرق الأوسط” السعودية و”الراي” الكويتية، ومحررا في دورية “نقاش” الألمانية. والآن يكتب تحليلات ومقالات وقصصاً صحافية بشكل مستقل.

للتواصل معه: haidernajim_2020@yahoo.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى