نصوص جائرة: حين يكون القانون سبباً في اضطهاد النساء

بغداد – علي الأحمد

جاءت المادة (14) من دستور العراق النافذ عام 2005 واضحة وصريحة بأن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز، وكذلك المادة الدستورية (29) التي نصت على منع كافة أشكال العنف والتعسف في الأسرة والدولة والمجتمع، لكن هل العراقيين متساوون حقاً، وهل تلك القوانين قادرة أصلاً على حماية المرأة من العنف أم هي السبب في وقوعه؟

الضرب مسموح “للتأديب”

يرى الحقوقي علي عبد الامير أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل النافذ واحد من أبرز التشريعات الوطنية التي تحتوي على نصوص تمييزية لصالح الرجل، كما اشتملت بعض نصوصه على تحريض على ارتكاب انتهاكات ضد النساء.

يشير عبد الامير تحديداً إلى المادة (41) من قانون العقوبات والتي تبيح للزوج ممارسة العنف ضد زوجته بداعي “التأديب” أي ان القانون لا يعتبر ارتكاب فعل العنف بهذه الحالة “جريمة” كونه “حق مقرر بمقتضى القانون”، اذ تنص المادة على أن “لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون”.

ويوضح الحقوقي العراقي أن المقصود باستعمال الحق هنا بحسب نص القانون هو “تأديب الزوج لزوجته في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً، وهنا اعطى المشرع بشكل واضح وصريح الحق للزوج بتأديب زوجته دون ان يعطي الحق للزوجة ايضا”، مضيفاً أن “هذه المادة تحرض على ارتكاب العنف ضد المرأة خاصة وان النص سمح بالتأديب في نطاق الاعراف، وهذه بحد ذاتها جريمة بحق المرأة لان الاعراف المجتمعية في العراق معروفة بقسوتها وشدتها فكيف اذا كانت مؤيدة بنص قانوني؟”.

بحسب مشرعين وقانونيين فإن نساء العراق مازالن يعانين تهميشاً واضحاً في الكثير من الحقوق والحريات المكفولة دستورياً ودولياً، ففي كل يوم تتعرض النساء لانتهاكات شتى، وفي مقابل ذلك لا يوفر لها القانون الحماية الكافية بل يكون هو احد الاسباب الرئيسة من خلال بعض نصوصه المحرضة على العنف، الأمر الذي يستدعي بحسب خبراء مراجعة شاملة ودقيقة لمنظومة التشريعات بما يوائم الدستور والالتزامات الدولية الخاصة بالمرأة.

ويعتبر عبد الامير وضع الزوجة في خانة التأديب الى جانب “الاطفال القصر” اهانة كبيرة واستصغاراً لمكانة وقيمة الزوجة وكأنها تتصرف كالطفل القاصر الذي يحتاج التأديب.

ويكمل عبد الامير: “لم يقتصر القانون على هذه المادة فقط بل هناك مواد اخرى منها الاحكام في المادة (377) والتي فرقت في العقوبة بين الزوج والزوجة لصالح الزوج في حال وقوع جريمة “الزنا” إذ جرمت الزوجة الزانية بشكل مطلق ولكنها لم تجرم الزوج إلا في حال ارتكابه الزنا في منزل الزوجية”.

ومن المواد الأخرى التي يشير إليها الخبير القانوني المادة (427) التي تقضي بإيقاف تحريك الدعوى أو وقف تنفيذ العقوبة بحق “الخاطف” في حال زواجه من الضحية المخطوفة، وهناك أيضا المادة (398) من القانون نفسه التي اعتبرت الزواج “عذراً مخففاً” بحق مرتكبي جرائم الاغتصاب، ويستمر الوضع بالنسبة للأحكام القانونية المتعلقة بالقتل غسلاً للعار، بحسب عبد الامير.

بطاقة السكن واستخراج جوازات السفر

يرصد تقرير الظل لاتفاقية “سيداو” (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) الصادر في العام 2019 وجود تعليمات حكومية في العراق وضعتها هيئة السياحة تمنع مبيت المرأة لوحدها في الفنادق مشترطة وجود “محرم” أو كتاب رسمي صادر من جهة حكومية او غير حكومية تؤيد ذلك.

وبحسب شبكة النساء العراقيات التي أعدت التقرير فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل شمل أيضاً التشدد في منح بعض النساء بطاقة السكن في حال كانت المرأة غير متزوجة او مهجورة وتسكن بمفردها، رغم ان القانون نفسه اعطى الحق لكل عراقي أتم الثامنة عشر من عمره ويسكن بمفرده ان يعامل معاملة رب الأسرة في تنظيم بطاقة السكن وهي وثيقة أساسية في المعاملات الرسمية، ولهذا فان عدم حصول النساء على البطاقة سيحرمهن من حقوقهن الأخرى كإصدار جواز السفر أو الحصول على الراتب التقاعدي أو القروض وغيرها.

ولا يمنح القانون العراقي الأم حق استخراج جواز السفر لأبنائها لأن الاب بنظره هو “الولي الجبري” على أبنائه القاصرين استنادا لأحكام المادة (27) من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980، لكن يمكنها ذلك من خلال “وكالة خاصة” يمنحها لها الأب تخولها مراجعة الجوازات وإصدار جواز سفر لأبنائها القاصرين.

وبسبب الولاية الجبرية للأب تعاني الكثير من الامهات من استصدار المستمسكات الرسمية لأبنائهن خاصة المتعلقة بالسفر ولا يمكنهن الحصول عليها الا بعد سلسلة اجراءات قانونية وفي حالات محددة بموجب القانون كان يكون الاب مفقوداً، او مسافراً خارج العراق، او محكوماً بالسجن ،أو مجهول محلّ الإقامة.

وتبقى أكثر المواد إشكالية من حيث التحريض على العنف بل على قتل النساء تلك المواد التي تخفف الحكم على الجاني في حال كانت الضحية امرأة والجريمة “غسلاً للعار”.

يقول المحامي محمد جمعة إن “بعض جرائم قتل النساء دونت على انها غسلٌ للعار رغم أن السبب الحقيقي هو مطالبتهن بحقهن القانوني والشرعي بالميراث”

ويضيف أن “الجناة يستغلون الأعذار القانونية المخففة لتنفيذ جرائمهم وبذلك يتخلصون من المرأة التي تطالب بحقها مقابل نيلهم عقوبة مخففة وفق القانون”.

وبحسب جمعة فان بعض ضحايا الابتزاز من الفتيات حاولن حماية أنفسهن من خلال القانون الا انه وبسبب الروتين ينفذ المبتزون جرائمهم، “واحدة منهن قيل انها انتحرت ودونّ في محضر الشرطة أنها كانت تعاني من مشاكل نفسية، في حين بقي المبتز حراَ طليقا”.

نصوص جائرة 

الناشطة عبير سالم تصف النصوص القانونية التمييزية والمحرضة ضد المرأة “بالجائرة المتخلفة”، وتوضح سالم أننا “نعيش عصر التطور والتقدم في مجال حقوق المرأة لكن مازالت تلك النصوص القديمة تتحكم بمصير النساء وتكرس التفضيل الذكوري خاصة ما يتعلق بتأديب الزوجة وكأنها هي فقط من يقوم بأفعال تستحق التأديب”.

وتشير دراسة صادرة عن الأمم المتحدة أن نسبة 29 بالمئة من العراقيات يتعرضن الى العنف بكافة اشكاله والذي ارتفعت مؤشراته خلال فترة جائحة كوفيد-19 إذ خضعت النساء الى مختلف انواع العنف وبشكل مستمر، ورغم ذلك مازال المشرع العراقي متمسكا بالنصوص المحرضة على العنف ضد النساء وفقا للناشطة.

وبحسب سالم فان الظلم القانوني يتضح أكثر في تلك النصوص التي تسمح للمجرم المغتصب بالزواج من ضحيته وهذا ما يعني اجبار الضحية على الزواج بالإكراه وهذه مخالفة واضحة لأُسس الزواج القائمة على اساس الرضا والقبول”.

وتقول الناشطة بهذا الخصوص، “فمن المستحيلات ان ترضى الضحية بالزواج من مجرم اغتصبها ودمر حياتها فكيف ستتخلص من كابوس تفاصيل الاغتصاب وكيف ستكمل حياتها انه تشريع “لاغتصاب مستمر” تحت عنوان الزواج”.

لا تخلو تلك النصوص التمييزية والتحريضية من اثار نفسية واجتماعية على النساء الضحايا، إذ تشير الباحثة النفسية ابتسام نعمة الى ان ضحايا تلك الجرائم وخاصة الاغتصاب والاختطاف والعنف يعشن اوضاعا نفسية صعبة اضافة الى وصمة العار المجتمعية التي لا ترحم وقد يتعرضن الى العنف المتكرر والاستغلال او يدفعهن ذلك الى الانتحار للتخلص من الظروف الصعبة المحيطة بهن.

اصلاحات شاملة

الحقوقي علي عبد الامير دعا مجلس النواب العراقي الى “مراجعة شاملة” للمنظومة التشريعية والعمل على الغاء كافة النصوص التمييزية والتحريضية التي تستهدف المرأة ووضع أقسى العقوبات بحق مرتكبي الجرائم ضد النساء ومحاكمة المجرمين وعدم التهاون معهم تحت أي ظرف.

ويطالب عبد الامير السلطات العراقية بالإسراع في إقرار قانون الحماية من العنف الاسري ومراعاة الالتزامات الدولية ومنها اتفاقية “سيداو” والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الذي وقع عليه العراق دون أي تحفظ.

فيما اكدت الناشطة عبير سالم على اهمية ان تتحمل السلطات الحكومية مسؤوليتها تجاه النساء وحمايتهن من جميع اشكال العنف، والعمل على الغاء تكريس الثقافة الذكورية، مطالبةً منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام بتكثيف حملات الغاء التمييز والتحريض في القانون بمشاركة عضوات مجلس النواب العراقي.

من جانبها اشارت الباحثة النفسية والاجتماعية ابتسام نعمة الى ضرورة واهمية فتح دور ايواء آمنة ومراكز متخصصة لمعالجة ضحايا الاغتصاب والاختطاف والعنف وتقديم برامج الرعاية والتأهيل الصحي والنفسي والاجتماعي لهن وتوفير فرص عمل للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي لضمان اعادة اندماجهن في المجتمع.

تم إنتاج هذا التقرير بدعم من منظمة انترنيوز وينشر بالتنسيق مع موقع أصواتنا 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى