عام كامل.. والعراق يتقدم في مسار الفشل السياسي

بغداد- منتظر الخرسان

عام كامل مرّ على الانتخابات النيابية المبكرة هي أطول مدة زمنية أمضاها العراقيون من دون اختيار حكومة ذات صلاحيات كاملة، مما أدخل البلاد في حالة انسداد سياسي دون أن تلوح في الأفق أية انفراجة تذكر.

الانتخابات المبكرة آنذاك، والتي عقد عليها المراقبون آمالاً كبيرة بالتغيير جاءت على خلفية تظاهرات تشرين 2019 وفي ظل قانون انتخابي تم اعتماده للمرة الأولى قائم على الدوائر المتعددة.

وكان من أبرز نتائجها ظهور قوى جديدة منافسة للأحزاب التقليدية، فسجلت الكتل السياسية المخضرمة (باستثناء الكتلة الصدرية) تراجعاً لصالح المستقلين (40 مقعداً) والكتل الناشئة (24 مقعداً)، بينما حصدت الكتلة الصدرية أعلى عدد من المقاعد البرلمانية بواقع 73 مقعداً.

ولا يعد التأخير في تشكيل الحكومة سابقة في عراق ما بعد 2003 إذ دائماً ما تستغرق تسمية رئيس الوزراء والكابينة الحكومية وقتاً بسبب الاصطفافات السياسية والتدخلات الإقليمية والمحاصصات الطائفية والنزاعات القضائية بين الكتل البرلمانية، لكن أطول مدة تأخر فيها تشكيل الحكومة كانت خلال ولاية نوري المالكي الثانية عام 2010 واستغرقت سبعة أشهر.

في الانتخابات الأخيرة وما أن صادقت المحكمة الاتحادية على نتائجها حتى ظهر النزاع بين القوى الشيعية كما هو المعتاد في جميع الدورات السابقة، فأصرت الكتلة الصدرية على تشكيل الحكومة بمشاركة الكرد والسنة دون “الاطار التنسيقي” وهو ما دفع بقوى الإطار إلى لملمة شتاتها وتشكيل ما يسمى بالثلث المعطل لمنع عقد أي جلسة لاختيار رئيس الجمهورية.

في المقابل تمكن الكرد (حوالي ستين مقعدا) من تقديم أنفسهم ككتلة واحدة إلى جانب كتلتي “عزم” و”تقدم” السنّيتين اللتان نجحتا في إيصال محمد الحلبوسي الى رئاسة البرلمان كأول رئيس برلمان من الكتلة السنية يتم تجديد الولاية له.

إصرار الإطار التنسيقي على ممارسة دور الثلث المعطل أو مشاركة الكتلة الصدرية في الحكم دفع نواب الأخيرة إلى تقديم استقالاتهم والانسحاب من البرلمان بطلب من زعيمهم مقتدى الصدر وهو ما أفسح المجال أمام قوى الإطار التنسيقي للعمل على تشكيل الحكومة من دون منافسها الشيعي.

لكن لم يكن يدور في أذهان قوى الإطار أن القواعد الشعبية الصدرية ستكون عائقاً أمام هذه الخطوة وأن ردة فعل الصدر ستكون على الأرض لا في أروقة السياسة، فاقتحم أنصار الكتلة الصدرية المنطقة الخضراء وسيطروا على مبنى مجلس النواب ووقعت بينهم وبين منافسيهم اشتباكات مسلحة خلّفت عدداً من القتلى والجرحى وعززت المخاوف من حصول حرب أهلية، هذه المرّة شيعية- شيعية.

في الوقت الحالي تعيش البلاد في حالة من عدم الاستقرار السياسي ألقت بظلالها على جميع مفاصل الدولة بما فيها إقرار الموازنة العامة للبلاد، بل هناك توقعات أعرب عنها أكثر من مسؤول عراقي بعدم قدرة الدولة على تأمين رواتب الموظفين في المؤسسات الحكومية إذا ما استمرت حالة الفراغ الحكومي إلى ما لانهاية.

التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة آثار مخاوف لدى بعثة الأمم المتحدة في العراق التي أصدرت بياناً بعد مرور عام على الانتخابات ورد فيه أن “الأزمة التي طال أمدها تنذر بمزيد من عدم الاستقرار والأحداث الأخيرة دليل على ذلك، وهي تهدد أيضاً سبل عيش المواطنين.. لقد حان الوقت أن تتحمل الطبقة السياسية المسؤولية وأن تتطابق الأقوال مع الأفعال”.

مدير مركز الجنوب للدراسات والتخطيط الستراتيجي صلاح الموسوي يجد أن الفراغ الحاصل يظهر مستوى فشل النظام السياسي في العراق المبني على المحاصصة الطائفية، وبالتالي ما نحن عليه “هو ذروة الازمة السياسية ولا يمكن انهاؤه الا باستبدال الطبقة السياسية برمّتها”.

في حين يرى رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري أن “فشل الطبقة السياسية الحالية في إدارة الحوار أدى الى عدم تشكيل حكومة جديدة”، مضيفاً أن البلاد دخلت في زمة يمكن وصفها “بالدوامة” وقد يطول الأمر دون حكومة كاملة الصلاحية في الوقت الذي يظهر فيه عدم التزام الأطراف بالمدد الدستورية.

وأشار الشمري إلى أن الكتل الحالية “لا تمتلك الرغبة في تصحيح سلوكها السياسي وغير مهتمة بتداعيات عدم تشكيل الحكومة رغم انعكاس الازمة على المستويين الداخلي والخارجي”.

بلوغ الأزمة السياسية عامها الأول دفع ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت للتحذير من مستقبل قاتم تنتظره البلاد، وذلك في إحاطة قدمتها أمام مجلس الأمن جاء فيها:

“كثرت الدعوات الموجهة إلى زعماء العراق للتغلب على خلافاتهم وتشكيل حكومة منذ إجراء الانتخابات قبل عام من الآن. لكن للأسف، كان للشقاق ولعبة النفوذ الأولوية على حساب الشعور بالواجب المشترك. وكنتيجة مباشرة للتقاعس السياسي الذي طال أمده، شهد العراق أوقاتا حرجة وخطيرة للغاية”.

ومع تجاوز العراق لهذه المدة غير المسبوقة لا يبق سوى شهر واحد فقط كي ينافس العراق لبنان الذي تطلب تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي فيه  13 شهراً.

شهر واحد فقط يكون البلدان قد تعادلا في سباق الفشل السياسي!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى