أساطير حول جسر زاخو: “يا زوجي..سوف أحمل هذا الجسر على سواعدي وسأبقى هنا”

سجى شيرزاد – زاخو

“كأنك سافرت إلى القرون الماضية”، هكذا يشعر الزائر عندما يرى أحجار “جسر دلال” مصفوفة بدقة مكوّنةً خمسة أقواس ثابتة يصل كل منها إلى قاع النهر ويعبرها عشرات السياح يومياً بين ضفتيه.

هذا الجسر الممتد بين ضفتي نهر الخابور هو واحد من المعالم الأثرية الأكثر شهرة في إقليم كوردستان وتحديداً في مدينة زاخو، آخر نقطة جغرافية شمالي الإقليم على الحدود مع تركيا، 

يرى سكان زاخو في “جسر دلال” أحد أبرز الأماكن لاستقطاب السياح مهما كثرت المواقع السياحية الأخرى في الإقليم، إذ يأتي لمشاهدته زوّار من وسط وجنوب العراق ومن باقي محافظات الإقليم وأحياناً من دول اجنبية.

وكثيراً ما يردد مسؤولون محليون ومختصون بالآثار إنه لا يجوز أن يأتي زائر الى هذه المدينة ولا يزور جسر دلال، وإن لم يفعل، فكأنه لم يزر المدينة بأكملها.

محمد أحمد، مدير دائرة الآثار في مدينة زاخو أحد الذين يرون في جسر دلال مكاناً استثنائياً ذا قيمة تاريخية كبيرة، وهو ما تؤكده أيضا الدراسات التي تصدر عن مديرية الآثار بهذا الخصوص.

يقول أحمد: “لا يوجد حالياً مثيل لجسر دلال في أرجاء العالم من حيث طراز البناء، فتاريخ تشييده يرجع إلى فترة الإمبراطورية البيزنطية-الرومانية الشرقية أي لحوالي ألف وخمسمائة وعشرين عاماً، واستخدمت في بنائه أنواع من حجارة المنطقة منشؤها كلسي، وتمت دراسة ذلك عن طريق أخذ عينة من المواد المستخدمة في البناء وإرسالها إلى جامعة هايدلبرج في ألمانيا”.

ويبيّن مدير الآثار في زاخو أن الجسر كان يستخدم في العصور القديمة لغرضين، أولهما كطريق عسكري يعبره الجنود في الحروب بين الامبراطوريتين الساسانية والبيزنطية، والثاني طريق ثانوي للحرير، أي كطريق تجاري دولي قديم يمتد بين الصين وأوروبا مروراً بعدد من الدول.

أما بخصوص طريقة بناء “جسر دلال” والتفاصيل المعمارية المتعلقة بذلك فهي لا زالت بالنسبة لعلماء الآثار “منطقة مجهولة” بحسب المختصين. لكن في الآونة الأخيرة ومن خلال بحوث آثرية نفذتها المديرية “تم اكتشاف رموز أثرية تخص طرق البناء ورموز أخرى دينية، وحالياً نعمل على دراسة تلك الرموز لمعرفة أسرار بنائه الرصين”، يقول أحمد.

ويبلغ ارتفاع الجسر حوالي 18 متراً وقامت حكومة اقليم كوردستان في عام 2017 و 2019 بترميمه حسب التعليمات الأثرية وتوصيات مشرفين من خارج البلاد باستخدام تقنية المسح الليزري للمرة الأولى على مستوى العراق.

يقول أحمد “نجحنا في ترميم أجزاء مطمورة من الجسر منذ فترة الثمانينيات من ثم بناء مدرج روماني مصغر لاستيعاب اكبر عدد ممكن من السواح”.

وللجسر عدة تسميات شعبية منها الجسر الحجري والجسر الكبير وجسر زاخو والجسر العباسي وأخيراً جسر دلال. وجاءت تلك التسميات من عدة قصص وروايات سائدة.

فضول معرفة تلك الروايات جعلتنا نلتقي بالمؤرخ والكاتب “سعيد صديق” من أهالي زاخو وصاحب ستة كتب تاريخية عن حضارة زاخو القديمة.

يروي المؤرخ صدّيق أن تسمية الجسر الحجريجاءت من شكل وطراز بنائه المكون من الحجارة، في حين يسميه البعض الجسر الكبير نظراًَ لضخامة حجمه خاصة في الأزمنة القديمة حيث لم تكن توجد مبانٍ ولاجسور بهذا الحجم في المنطقة.

وهناك من ينسب الجسر للمدينة التي بني فيها فيسميه جسر زاخو في حين يطلق عليه آخرون إسم   الجسر العباسي، لأن الرحالة المقدسي وهو  رجل مسلم ولد لأسرة بنائين في القدس في العصور العباسية ثم كثرت أسفاره حتى صار رحالة شهيراً، اعتبره واحداً من عجائب الدنيا الأربع في ذلك الوقت.

أما تسميته بجسر دلال بحسب اقوال المؤرخ فهي اشتقاق من اسم (دل) باللغه الكردية أي “قلب” بالعربية.

وتقول الحكاية الشعبية إن بنّاءً زار مدينة زاخو بعد أن قام ببناء جسر لأحد الأمراء اليونانيين فقام بقطع يده كي لا يبني جسراً مشابها له. وعندما جاء هذا البنّاء إلى زاخو طلب منه أميرها  بناء الجسر فوافق تحديا للأمير اليوناني وباشر العمل.

لكن كلما كان الرجل يصل بالعمل إلى القنطرة الوسطى كان الجسر ينهار فاستشار أحد عرافي المدينه الذي نصحه بدفن أول شخص تطؤ قدمه الجسر تحته كي لا ينهار مجدداً.

ويتابع المؤرخ والكاتب “صدّيق” قص الحكاية فيقول: “في اليوم الثاني جاءت زوجة ابنه دلال كي تحضر له الطعام فكانت أول من تطأ قدمه الجسر، فصدم البناء وقام بإخبار دلال القصة فوافقت الأخيرة على دفنها طوعاً كي يكتمل الجسر. 

أثناء دفنها -يروي الكاتب العراقي- كان زوج دلال غائباً وعندما رجع وأخبروه بالقصه فقد صوابه وحمل معولاً وهرع إلى الجسر محاولا إنقاذ زوجته لكنها نادته وقالت “يا زوجي.. هذة الضربات تؤلمني وتزيد من ايذائي ولن تنقذني. سوف أحمل هذا الجسر على سواعدي وسأبقى هنا”، وهكذا ظلّ الجسر شامخاً بحسب الأسطورة المحلية، يحمل آلاف الزوار سنوياًن حاملاً حتى يومنا هذا إسم دلال المضحية بنفسها.  

وفي الآونة الأخيرة وبعدما استقلت مدينة زاخو إداريا عن بلدية دهوك وصار لها كيانها الإداري الخاص أعلنت السلطات في دهوك عن خطة سياحية هي الأولى على مستوى المدينة، جزء منها يتضمن بناء مشروع سياحي ترفيهي حول الجسر يستقطب أكبر عدد ممكن من السياح المحليين والأجانب.

ويعلق الكاتب “صدّيق” على هذا المشروع قائلاً: “ربما أكثر من سيكون سعيداً بهذا المشروع هو دلال التي ضحت بنفسها كي يبقى جسرها يعجّ بالزوار”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى