سمك البلطي: دخيل الأنهار العراقية وسفّاح أسماكها

البصرة- نغم مكي

ينوّع الحاج ناصر في طعم الأسماك، يضع في خطاف سنارته قطعة من العجين مرة ومن الروبيان مرة أخرى ثم يرميها في النهر، ينتظر دقائق إلى أن يشعر بثقل الخيط، يشده نحوه فلا يجد سوى واحدة من سمك البلطي وبكل هدوء يضعها في الشوال الذي جمع فيه الأسماك.

 الرجل السبعيني الذي يزاول مهنة الصيد منذ أكثر من خمسين عاماً والذي أعتاد في السابق على صيد سمك الگطان والبُني والسمتي لا يكترث لمن يخبره بأن سمكة البلطي التي اصطادها الآن لا تصلح للأكل، أو كما يقول “السمچة الله خالقها شلون ما يصير  تنوكل”.

انتشرت سمكة البلطي في انهار العراق منذ بضعة سنوات، قادمة ربما عن طريق الخطأ من مناطق أخرى، لكن صيادي المنطقة لا يرغبون بصيدها فهي بحسب قولهم تعتمد في غذائها على صغار الأسماك أو بيوض الأسماك الأخرى فتقضي بالتالي على الثروة السمكية ختى ان بعضهم يلقبها بـ “سفّاح الأسماك”، في حين تنعدم قيمتها التجارية لعزوف معظم العراقيين عن أكلها.

وتشير تقارير إلى تراجع حصة الفرد العراقي من لحوم الأسماك المنتجة محليا لتتراوح بين 0.9 و 2.4 كيلوغرام في السنة مع ارتفاع الأسعار، في حين تؤكد معايير منظمة الصحة العالمية حاجة الفرد إلى لحوم الأسماك بما لا يقل عن 6.5 كيلوغرامات سنوياً.

في اتجاه الشرق لمدينة البصرة  لنهر الصالحية يجلس ابوعلي على ضفة النهر غير راضٍ، فالساعات التي يقضيها من الخامسة فجراً للثانية عشر ظهراً وهو ينتظر صيداً يثلج قلبه لم تجلب له سوى سمك البلطي، يصطاد الواحدة منها فيضطر لإرجاعها للنهر وأحياناً يحالفه الحظ بصيد البياح أو السمتي.   

يشير عباس الفيصل عضو مركز علوم البحار التابع لجامعة البصرة إن سمك  البلطي  نوع دخيل على البيئة المحلية، “أسباب دخوله مجهولة تمت مناقشتها في بحوثنا كما تم تسجيل ثلاثة أنواع منها، هي البلطي الازرق المتوفر في الجزء الشمالي من شط العرب والبلطي النيلي والبلطي الأحمر أو الذيلي”.

ويوضح الفيصل أن هذه الأسماك تتحمل الظروف البيئية الصعبة، “لذلك استطاعت أن تنافس اسماكنا المحلية بشدة”.

وتعد الأسماك الدخيلة إحدى ملامح التغيير في التنوع الإحيائي المائي كما من الممكن أن تقود إلى تغير عكسي في النظام البيئي مما ينتج عنها انقراض بعض الأنواع المحلية.

ويؤكد الفيصل أن أسماك البلطي من الأنواع واسعة الانتشار، اذ إنها من أكثر الاسماك مقاومة للإنقراض و الأمراض والظروف البيئية مثل الكثافة العالية للمخزون الملحي ونوعية المياه الرديئة او الملوثة فضلاً عن مقاومتها للمستويات المنخفضة للأوكسجين المذاب. 

كما إنها تتميز بطبيعة تغذيتها، إذ تمتلك أسناناً قوية جداً لها القدرة على قشط الطحالب من الصخور وبإمكانها مسك الأسماك الصغيرة وسحق القواقع، “جميع هذه العوامل أسهمت بشكل او بأخر بسرعة انتشار أفراد هذه العائلة” يقول الفيصل. 

وبحسب دراسة نشرت في 2021 في المجلة العراقية للعلوم هناك نوعان دخيلان جديدان، لذا من المتوقع أن يزداد عدد أفراد أو أنواع هذه العائلة مستقبلاً.

بيئة ملائمة وسرعة الانتشار

ينوّه رئيس البيولوجيين في مديرية بيئة البصرة هادي عبدالحسين خضير إلى أن  مياه شط العرب بيئة ملائمة للبلطي لكنه متواجد بكثرة ليس فقط في مياه شط العرب بل في الاهوار ايضا بسبب قدرته على تحمل تركيز عالٍ من ملوحة المياه ودرجات حرارة عالية وتلوث وبسبب عدم وجود منافس له.

ويشدد هادي على أن وجوده يعد خطر على الانواع  الاخرى بسبب كثرة أعداده في وحدة المساحة سواء في شط العرب أو الاهوار مقارنة بأعداد الأنواع الأخرى مما يهدد بانقراضها.

ويعتقد هادي أن وجوده يؤثر سلباً الناحية الاقتصادية “لأنها سمكة غير مرغوبة للاستهلاك كغذاء ووجودها باعداد كبيرة يزيد نسبة التلوث للمياه بسبب فضلاتها التي تطرحها واستهلاكها للأوكسجين المذاب في الماء”.

ضرر اقتصادي وصحي

يتفق الخبير علاء البدران ورئيس اتحاد الفلاحين في البصرة عبد الحسن العبادي على أن  خطورة سمكة البلطي تكمن بكونها متعددة التغذية فهي تتغذى على الأسماك والأحياء المائية والنفايات ومخلفات المجاري الثقيلة ولذلك هي تحمل معها التلوث.

ويوضح العبادي أن تواجد سمك البلطي لم يكن وليد الأمس لكنه استمد قوته من بقية الأسماك التي يتغذى عليها وضرره على الصيادين أخذ يتسع، ويقول: “اصحاب البحيرات الخاصة يستطيعون جلب الأنواع المرغوب بها عكس الصيادين الذين يعتاشون من سمك الأنهار المفتوحة كنهري دجلة والفرات وشط العرب”.

وبحسب تقرير لوزارة التخطيط العراقية عام 2021، فإن العدد الكلي لمزارع الأسماك المنتجة بلغ 3794 مزرعة، يعمل فيها 14441 عاملاً.

كما يشير البدران  إلى وجود طرق لمكافحة هذه السمكة بيولوجياً يعرفها المختصون منها إطلاق ذكور تنتج أسماك عقيمة أو وضع أعلاف تسبب لها العقم وغير ذلك من الطرق.

لكن  أسماك البلطي من وجهة نظر البدران قد تعتبر اقتصادية عند تربيتها بأحواض الاستزراع السمكي وخصوصاً النوعين الأزرق والأحمر فهي تستخدم كغذاء رئيس عند كثير من الدول مثل مصر وإيران وتصل لأحجام  قياسية  صالحة للتسويق.

ورغم غزو البلطي للأنهار واكتساحه أماكن تواجد الأسماك الأخرى إلا أن الولع بالصيد لم يتغير عند ابوعلي والحاج ناصر اللذان يأملان بعودة الأسماك الأخرى إلى أعدادها السابقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى