حرب غزة تضع حكومة السوداني امام خيارات صعبة

بغداد- منتظر الخرسان

سيناريوهات عدّة تنتظر العراق إثر دخول فصائل مسلحة على خط المواجهة بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس إذ تقوم هذه الفصائل بتنفيذ هجمات متواصلة على القواعد الامريكية في العراق، الأمر الذي يضع حكومة بغداد على المحك في كيفية ضبط الأمن الداخلي وإدارة الأزمة.  

فمنذ السابع من تشرين أول (أكتوبر) الماضي نفذت فصائل مدعومة من إيران أكثر من 58 هجوماً على قواعد أمريكية في العراق وسوريا، استخدمت فيها الطائرات المسيرة وصواريخ الكاتيوشا.

حتى الان لم تعلن القوات الامريكية عن حجم الخسائر التي تكبدتها جراء هذه الهجمات فيما تؤكد بيانات “المقاومة” أنها أصابت أهدافها بدقة. وتنشر الفصائل بياناً بعد كل هجوم عسكري بإسم “المقاومة الاسلامية في العراق” دون الإشارة إلى أسماء الفصائل المشاركة بالعملية.

لكن أكثر من فصيل عراقي كان قد أعلن عن تبنيه  تلك الهجمات منها كتائب حزب الله التي أوضحت أن “الوجود الأمريكي يعتبر غير شرعي وهذه الجرائم التي يتشاركها العدو الصهيو- أمريكي لن تمر دون ردع وعقاب وسيلقى العدو منا أشد الضربات واقصى الصفعات حتى تحرير ارض فلسطين”، وايضاً الإعلان الصريح من حركة النجباء عن أنها “قررت تحرير العراق عسكرياً وحسم الأمر والقادم اعظم” وهما فصيلان مقربة ومدعومان من إيران.

لم تكتف “المقاومة” بضرب القواعد في العراق بل عمدت الى استهداف تلك الموجودة في سوريا وكذلك ضرب التواجد الاسرائيلي في مستوطنة ايلات عبر الاراضي اللبنانية وهذا يعني أنها دخلت على خط المواجهة المباشر إلى جانب “حماس”.

وفقاً لمختصين في الشأن السياسي فإن هناك أكثر  من احتمال ما زال مفتوحاً في المواجهة مع القوات الامريكية، أحدها هو توسيع الهجمات ضد القواعد العسكرية وإلحاق المزيد من الخسائر لها لإجبار الإدارة الأمريكية ومن ثم حكومة نتنياهو على اتخاذ قرارا بوقف الحرب في غزة. 

لكن هذه الخطوة قد تكلف العراق أثمان باهظة بحسب المراقبين، في مقدمتها تهديد حالة الاستقرار النسبي في البلاد ودفع الولايات المتحدة الامريكية إلى اتخاذ ردود فعل انتقامية، وبالتالي ارغام الحكومة العراقية على اتخاذ موقف أكثر وضوحا من الجماعات المسلحة التي تتبنى الهجمات.

أما السيناريو الثاني فهو العودة الى حالة التهدئة وهذا محتمل وفق ما يتسرب عن تفاهمات بين الولايات المتحدة الامريكية وايران بعدم توسيع جبهات المواجهة.

ويبقى السيناريو الثالث وهو الأرجح باستمرار الحال على ما هو عليه بشرط عدم خروج الأطراف عن قواعد الاشتباك المسموح بها، بحيث تكتفي الفصائل بالإعلان عن هجمات ذات طابع رمزي وترد الولايات المتحدة على تلك الهجمات وفق ضوابط محددة وفي مواقع محددة كضرب مطار حلب ودمشق على سبيل المثال.

وفي جميع الأحوال يبقى المتحكم الرئيسي بهذه الهجمات هو القرار الإيراني رغم الإعلان المتكرر من قبل طهران انها لم تنخرط مباشرة في الصراع إذا لم تتعرض لهجوم إسرائيلي مباشر.

الباحث علي البيدر قال للمنصة ان الولايات المتحدة في الوقت الحالي لا تريد فتح جبهة قتالية جديدة او الدخول في مواجهة مع الجماعات المسلحة ولكنها تحدد بعض الاهداف لضربها في المرحلة المقبلة سيما وان العقوبات الامريكية ذات ابعاد استراتيجية غير مرحلية فهي عندما تعمل على تشخيص الاخطاء سواء كانت افراد او دول او جماعات تضعها ضمن قائمة محددة وترى الوقت المناسب لإظهارها.

ويرى البيدر ان الاحداث اذ ما استمرت فاننا سندخل مرحلة من الضغط الأمريكي على الحكومة العراقية التي تحاول اليوم مسك العصا من المنتصف، فهي تارة دعم القضية الفلسطينية وتارة اخرى تحاول طمأنة الجانب الأمريكي من قدرتها على ضبط الأمن،  “لكن يبقى موقف الحكومة العراقية صعبا جدا اتجاه التعامل مع ملف الفصائل المسلحة وكيفية كبح عمليات الاستهداف المستمرة”.

الهجمات المسلحة دفعت رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى لعب دور ساعي البريد متنقلا بين الأطراف محاولا تقريب وجهات النظر اذ وصل في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وحذر في تصريحات من توسيع الصراع على خلفية الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس  وفي مؤتمر صحفي بيّن “أن هذه الهجمات، والتهديدات التي مصدرها ميليشيات متحالفة مع إيران، غير مقبولة على الإطلاق”.

ثم غادر رئيس الوزراء السوداني في غضون 24 ساعة الى طهران ليلتقي مع الرئيس الإيراني وأعقبها المرشد الأعلى لبحث الملف الفلسطيني، وهذا الامر يشير الى ان طهران هي الطرف القادرة على إدارة وضبط تحرك الفصائل المسلحة العراقية.

أستاذ علوم السياسة اياد العنبر وصف قيام السوداني بمهمة ساعي البريد أو الوسيط في نقل الرسائل بين الخصمين اللدودين هو “سياسة محكومة بالفشل” كان قد سبقه إليها عادل عبد المهدي الذي حاول تقريب وجهات النظر بين ايران وامريكا وتبعه مصطفى الكاظمي بين ايران والسعودية الا انهما ” لم ينجحا في ان يكون العراق دولة فاعلة في الاقليم وبقي القرار بيد طهران بما يخص الجماعات المسلحة المتواجدة على الأراضي العراقية”.

ويضيف بان الخيارات المطروحة امام السوداني هي العمل على اقناع الايرانيين بان دخول العراق على خط المواجهة العسكرية مع الوجود الامريكي سوف لن يدفع ثمنه العراقيون بل ايران التي ستكون اكثر المتضررين على المستوى الاقتصادي، وبالتالي ينبغي منع اذرعها المسلحة من احراج الحكومة. 

أما الخيار الثاني بحسب العنبر فهو احراج القوى السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة لمنعها من المضي في المواجهة العسكرية مع القوات الامريكية، وهناك خيار ثالث مرتفع التكلفة، عبر التلويح بتأجيل انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها في 18 كانون الثاني (ديسمبر) والدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة والتلويح ايضا باستقالة الحكومة اذ ما استمرت مصادرة القرار السياسي.

الباحث صلاح الموسوي أشار في حديث للمنصة إلى أن أي اندفاع من قبل الفصائل المسلحة اتجاه استهداف القواعد الامريكية سيمثل ضغطا كبيرا على حكومة السوداني يصعّب عليه امساك العصا من المنتصف.

وفي هذه الحالة قد تتجه الولايات المتحدة الأمريكية الى اعادة النظر بوجود قواتها او تقليصها وقد يدفعها الى تفعيل الورقة الاقتصادية التي تشكل تهديدا حقيقيا في الداخل العراقي مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل في الاسواق الى 160 الف دينار مقابل 100 دولار.

واعلنت وزارة الخزانة الامريكية في الحادي عشر من تشرين الثاني 2023 عن فرض عقوبات على ستة شخصيات من كتائب حزب الله العراقية والتي سبق ان صنفتها “منظمة ارهابية” وهذا يعني ان واشنطن بدأت أولى  خطوات المواجهة، لكن بشكل مختلف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى