لماذا تشارك أحزاب تشرين في انتخابات مجالس المحافظات؟

 ذي قار- منتظر الخرسان

انقسمت الأحزاب التشرينية في مدينة الناصرية بين المشاركة في الانتخابات والمقاطعة لها بعناوين ومبررات مختلفة بعد أن كان مطلب معظم تلك الأحزاب في بداية تشكلها هو الغاء مجالس المحافظات وعلى اثرها اتجه مجلس النواب آنذاك نحو تجميد هذا التشكيل الإداري لامتصاص غضب الشارع.

وكانت حكومة محمد شياع السوداني قد أعلنت بعد التصويت على تشكيلها عن برنامجها الحكومي المتضمن تحديد موعد لإجراء انتخابات مجالس المحافظات في 18 كانون الأول 2023 ففاجأت أحزاب تشرينية ومستقلة جمهورها بقرار المشاركة وعملت على اكمال اجراءات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فتمكن البعض منها من استحصال الموافقات المطلوبة والبعض لم يسعفه الوقت فاضطر للانضمام لأحزاب أخرى كي يدخل مضمار المنافسة.

اعتزام الأحزاب التشرينية المشاركة في الانتخابات في محافظة ذي قار التي تعد بوصلة الحراك الاحتجاجي، أثار ردود فعل عديدة من قبل المحتجين بعد ان تجاوز عدد شهداء تشرين في الناصرية لوحدها أكثر من 130 فضلاً عن مئات الجرحى، من اجل اصلاح المنظومة السياسية وإلغاء مجالس المحافظات.

وتشير مصادر في الناصرية إلى أن رؤية هذه الأحزاب قد تغيرت بعد تشكيل حكومة السوداني وبدأت تتبنى فكرة المشاركة في خوض انتخابات مجالس المحافظات إذ تملكتها القناعة التامة ان هذه المجالس بند دستوري لا يمكن تغييره الا بالتصويت العام.

ونصّت المادة 122 ثالثا من الدستور العراقي “يُعد المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة، الرئيس التنفيذي الاعلى في المحافظة، لممارسة صلاحياته المخول بها من قبل المجلس” أي ان المحافظ يتم انتخابه من مجلس المحافظة.

وأشارت المادة 122 رابعا وخامسا “ينظم بقانون، انتخاب مجلس المحافظة، والمحافظ، وصلاحياتهما” و “لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو اشراف اية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله مالية مستقلة” أي ان مجلس المحافظة سلطة محلية ذات وجود ضروري للاشراف والمراقبة المحلية وان الوزارات والحكومة المركزية ليس لديها السلطة في متابعة عملها.

أما مطلب الجماهير في حراك تشرين عام 2019 بإلغاء مجالس المحافظات فكان يستند إلى حجة أن هذه المجالس طوال السنوات الماضية لم تكن ذات فائدة سوى صرف الرواتب المالية والحمايات والمخصصات والتعاقد مع شركات وهمية او تابعة لأحزاب المحاصصة الطائفية.

وتخوض الانتخابات المحلية في ذي قار 8 تحالفات سياسية و 4 احزاب بواقع 332 مرشحاً بينهم ثلاث مكونات سياسية تحسب لصالح تشرين والمستقلين هم “قيم المدني” و “الماكنة” و”المهمة”.

هشام السومري احد متظاهري ساحة الحبوبي اتهم الاحزاب التشرينية المشاركة بهذه الانتخابات بانها “استغلت الحركة الاحتجاجية وتحاول الصعود في الانتخابات على أكتاف المتظاهرين في الوقت الذي كان المطلب الاساسي لنا هو الغاء مجالس المحافظات”.

ويرى السومري أن “مجلس المحافظة ما هو إلا باب من ابواب الفساد وهدر للاموال ومكان لعقد الصفقات السياسية لذلك فإن التشرينيين سوف يقاطعون الانتخابات بشكل واضح من دون اي تراجع عن هذا القرار”.

المتظاهر حسن الصالح قال للمنصة إن الأحزاب التي انبثقت من تشرين وصعدت في انتخابات مجلس النواب لم تحدث فارقاً كبيراً للناخبين ولم تعمل على تحقيق مطالبهم، وبالتالي أصبحت هناك فجوة بين نواب تشرين وبين عامة الناس.

ويضيف الصالح أن “الاحزاب نفسها كانت قد قررت مقاطعة انتخابات مجلس النواب سابقة تحت ذرائع هيمنة احزاب السلطة على المجال السياسي، واليوم تظهر أنها في تناقض مع نفسها، مع العلم ان انتخابات مجالس المحافظات ليست بأهمية انتخابات مجلس النواب”.

أحزاب وشخصيات ناشطة في تشرين بررت دخولها حلبة التنافس الانتخابي بعدم امكانية الغاء مجالس المحافظات باعتبارها نصاً دستورياً يتطلب الغائه تصويت الشعب عليه وكي لا يكون انسحاب تلك الأحزاب فرصة للاحزاب التقليدية للعودة من جديد الى هذه المقاعد، في حين هناك أحزاب اخرى تقول انها لم تتبنى بالأصل خطاب الغاء مجالس المحافظات منذ البداية.

أمين عام حزب البيت الوطني حسين الغرابي أحد الأحزاب المنضوية في تحالف “قيم المدني” قال للمنصة إنهم لم يتبنوا فكرة الغاء مجالس المحافظات “بل طالبنا ان تتم ادارة المحافظة بنظام اللامركزية ويكون المجلس عينا راصدة للأخطاء” مؤكداً أن “واقع الحال فرض وجود الانتخابات وعدم الدخول في هذه العملية يعني سيطرة أحزاب السلطة وإعادة الواقع المأساوي من جديد”.

الغرابي لم يستبعد احتمالية التلاعب بالنتائج من قبل قوى الإطار التنسيقي التي تسيطر على مفاصل الحكومة، مطالباً البعثة الأممية خلال إشرافها على عملية التصويت بمنع حدوث أي تلاعب بالأصوات.

احمد الخفاجي محافظ ذي قار السابق الذي تم ترشيحه من قبل المتظاهرين وصف منافستهم مع احزاب السلطة بالصعبة نتيجة الامكانيات التي تمتلكها تلك الاحزاب فضلا عن الدعم الحكومي المقدم لها “لذا نعتمد في هذه الانتخابات على وعي الناخب وثقته بنا”.

ويكمل الخفاجي وهو رئيس تحالف “المهمة” أن قرار خوضه الانتخابات جاء بسبب عدم امكانية الغاء مجالس المحافظات بالرغم من تأكيد حراك تشرين الاحتجاجي الذي دام اكثر من عام على هذا المطلب. 

ويشير المحافظ السابق ان قناعته أيضا هو عدم جدوى مجلس المحافظة كهيكل اداري في المؤسسات الحكومية ولكن وجوده واقع حال، “لذا بادرنا للترشح كي نكون لسان الشعب وعينهم على مواردهم وكي نمنع الفاسدين من العودة مرة اخرى”.

التغير في مواقف قوى وأحزاب رئيسة في الناصرية لم يمنع بعض الاحزاب الأخرى من الثبات على موقفها وعدم خوض الانتخابات، اذ اعلنت حركة “امتداد” التشرينية بشكل واضح انها لن تخوض انتخابات مجالس المحافظات على الرغم من حصدها تسعة مقاعد في مجلس النواب، وهي كتلة ما لبثت أن تعرضت لانقسامات لينضم البعض من هؤلاء إلى أحزاب السلطة بعناوين مختلفة.

رئيس المكتب السياسي لحركة “امتداد” رائد الصالح أكد للمنصة رفض الحركة لعودة مجالس المحافظات، قائلاً إن “الشعب عندما خرج للتظاهر كانت اولى مطالبه إلغاء مجالس المحافظات وعمل نواب الحركة على تفعيل لجنة التعديلات الدستورية ولكن لا جدوى فلا اغلبية يمتلكونها”. 

ويعزو مختصون بالشأن السياسي هذا التذبذب والتأرجح بالراي بخصوص المشاركة بين الاحزاب التشرينية إنها أحزاب حديثة النشأة لازالت في مراحل تطوير عملها السياسي.

نجم الغزي أستاذ في العلوم السياسية يرى ان هذه الأحزاب وقعت في الفترة الماضية تحت ضغط الشارع وأصبحت تنساق وراء آراء وأفكار تصصدم بالواقع، فالمشاركة ضرورية وغياب الأحزاب عن الانتخابات يعني هيمنة أحزاب السلطة، مؤكداُ أن أي “حزب سياسي يحكم على نفسه بالموت إذا عزف عن المشاركة بالانتخابات”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى